جيل ما بعد البعث: هل يمكن كسر دائرة الخوف المتوارث؟

الكاتبة : ألاء قاسم المحمد

منذ تولي حزب البعث السلطة عام 1970، عاش السوريون نصف قرنٍ من الخوف المنظّم الذي تسلل إلى المدارس والبيوت والعقول. واليوم، يواجه جيل ما بعد البعث تحديًا مصيريًا: هل يمكن كسر دائرة الخوف المتوارث وبناء دولةٍ تقوم على الثقة لا الرعب؟

جيل ما بعد البعث بين الذاكرة والواقع

توارث السوريون الخوف جيلاً بعد جيل، حتى صار جزءًا من تكوينهم النفسي والاجتماعي. في المدارس، تعلم الأطفال تمجيد الزعيم قبل أن يتعلموا التفكير النقدي. كان النظام يدرك أن السيطرة على الوعي تبدأ من الطفولة، فحوّل المناهج إلى أداة ولاءٍ دائم.

أما في الحياة العامة، فكانت مجزرة حماة عام 1982 الحدث الذي رسّخ في الذاكرة الجماعية حدود المسموح والممنوع. منذ ذلك الحين، صار المواطن يراقب كلماته حتى في المجالس الخاصة، وأصبحت عبارة “الحيطان لها آذان” مرادفًا للأمان الشخصي في بلدٍ يُعاقب فيه الصمت أحيانًا أكثر من الكلام.

من خوف الآباء إلى وعي الأبناء

مع انتقال الحكم إلى الجيل الثاني من آل الأسد، ظنّ كثيرون أن صفحة جديدة ستُفتح. لكن سرعان ما تبيّن أن جيل ما بعد البعث يواجه نسقًا محدثًا من الخوف؛ قمعٌ رقمي، ومراقبة إلكترونية، وأجهزة أمنية أكثر تطورًا. وعندما خرج السوريون في 2011 مطالبين بالحرية، كان ردّ النظام تجديدًا للعقيدة القديمة بلغة الدم والحديد، كما أظهرت صور “قيصر” للعالم.

ورغم المآسي، حملت الثورة أول تصدّع حقيقي في جدار الخوف. فقد بدأ جيل جديد يرى أن الصمت لم يعد يحمي أحدًا، وأن كسر الخوف هو شرط الوجود قبل أن يكون فعلًا سياسيًا.

العدالة والحرية أساس التحرر

كسر الخوف المتوارث لا يتم بالشعارات، بل بالعدالة أولًا. حين يرى المواطن أن من ارتكب الجرائم يُحاسب، تنكسر الحلقة الأولى من الخوف. فالمساءلة تمنح الشعوب الثقة بأن القانون أقوى من الطغيان.
ثم تأتي حرية التعبير كعمودٍ ثانٍ لبناء مجتمعٍ جديد، إذ لا يمكن لجيلٍ خائف أن يبني دولة ديمقراطية.
وأخيرًا، لا بد من إصلاحٍ تربوي يحرر التعليم من خطاب التمجيد، ويغرس في الأطفال قيم المواطنة والمشاركة، لا الطاعة والانصياع.

نحو عقدٍ اجتماعي جديد

إن الخلاص من الخوف ليس إسقاط نظام فحسب، بل تفكيك ثقافة كاملة. حين تتحول الدولة من سلطةٍ تراقب إلى مؤسساتٍ تخدم، وحين يشعر المواطن أن صوته لا يهدد وجوده، عندها فقط يمكن القول إن جيل ما بعد البعث بدأ رحلة التعافي.

قد يستغرق الأمر سنوات أو عقودًا، لكنّ وعي الجيل الجديد يشير إلى أن سوريا القادمة يمكن أن تُبنى على الكرامة لا الخضوع، وعلى الذاكرة لا النسيان.