زيارة الشيباني خطوة لتأسيس مرحلةٍ جديدةٍ بين دمشق وبيروت
مراسل منصة سورية في بيروت – مصطفى مهنا
تحمل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت رمزيةً تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي المعتاد. فبعد عقدٍ من التحولات الكبرى في سوريا والمنطقة، بدت الزيارة بمثابة إعادة تعريفٍ للعلاقات السورية اللبنانية على أسسٍ جديدةٍ، بعد سنواتٍ من الجمود والتباين في المواقف.
في العاصمة اللبنانية، التي اعتادت استقبال وفودٍ سوريةٍ في مراحل سياسيةٍ مختلفةٍ، جاءت هذه المرة الزيارة بطابعٍ مختلف؛ خطابٌ هادئ، ولغةٌ متزنة، ورسائلُ مباشرة تعكس ملامح نهجٍ دبلوماسيٍ جديدٍ لدمشق في محيطها العربي.
اختتم الوزير الشيباني زيارته اليوم بعد يومٍ حافلٍ باللقاءات رفيعةِ المستوى، شملت رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الزراعة يوسف رجي.
وبحسب ما رصده مراسل منصة سورية في بيروت، فقد تركزت المباحثات حول أربعة ملفاتٍ رئيسيةٍ شكّلت خلال السنوات الماضية نقاطَ توترٍ بين البلدين:

أولًا: ملف المعتقلين السوريين
أكد الوزير الشيباني خلال لقائه المسؤولين اللبنانيين أن قضية المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية تمثل أولويةً وطنيةً للحكومة السورية الجديدة، داعيًا إلى التمييز بين الموقوفين لأسبابٍ سياسيةٍ والمدانين بجرائمَ جنائيةٍ، ومعالجة الملف وفق الأطر القانونية والإنسانية.
ثانيًا: الحدود ومكافحة التهريب
شهدت الاجتماعات تأكيدًا مشتركًا على ضرورة ضبطِ الحدودِ البريةِ التي لطالما كانت مصدرَ قلقٍ أمنيٍ واقتصاديٍ لكلا البلدين.
وأشار المراسل إلى أن النقاشات تطرقت إلى تفعيلِ التنسيقِ الأمنيِ المشتركِ وتعزيزِ حضورِ الدولةِ على خطوطِ التماس، للحد من عملياتِ التهريبِ غيرِ الشرعيةِ التي توسعت خلال السنوات الأخيرة.
ثالثًا: ترسيم الحدود البرية
أُعيد فتح ملف ترسيمِ الحدودِ البريةِ العالق منذ تسعينات القرن الماضي، حيث تم الاتفاق على استئنافِ عملِ اللجانِ الفنيةِ المشتركةِ للوصول إلى حلولٍ عمليةٍ للقضايا الميدانيةِ المتبقية دون حسم.
رابعًا: ملف النازحين السوريين
شدد المسؤولون اللبنانيون، وفقًا لمتابعةِ المراسل، على ضرورةِ عودةِ النازحين السوريين إلى بلادهم، داعين إلى تنسيقٍ مباشرٍ مع دمشق والمؤسساتِ الدوليةِ ذاتِ الصلةِ لضمان عودةٍ آمنةٍ وكريمةٍ لهم، خاصةً مع تزايد الضغطِ الاقتصاديِ والاجتماعيِ داخل لبنان.
ما بعد “المجلس الأعلى“
تأتي زيارة الشيباني في أعقاب قرارِ دمشق تعليقَ عملِ المجلسِ الأعلى اللبنانيِ السوري، الذي أُنشئ عام 1991، وحصرَ المراسلاتِ بالقنواتِ الدبلوماسيةِ الرسميةِ.
ويُنظَر إلى هذه الخطوة على أنها تحوّلٌ جوهريٌّ في إدارةِ العلاقاتِ بين البلدين، إذ تسعى دمشق إلى اعتماد آلياتٍ مؤسسيةٍ أكثرَ شفافيةٍ وتنظيمًا في المرحلةِ المقبلة.
ملامح مرحلةٍ جديدةٍ
من الواضح أن زيارة الشيباني وضعت أسسَ مقاربةٍ مختلفةٍ للعلاقةِ بين دمشق وبيروت، تتجاوز منطقَ الوصايةِ أو القطيعةِ نحو شراكةٍ واقعيةٍ تستند إلى المصالحِ المشتركةِ وضبطِ الملفاتِ الخلافيةِ.
وبمغادرته بيروت عائدًا إلى دمشق، يكون الوزير الشيباني قد أنهى زيارةً رسمت إطارًا سياسيًا جديدًا للعلاقاتِ السوريةِ اللبنانيةِ، ينتظر أن تتبلور تفاصيلُه خلال الأشهرِ المقبلةِ عبر اجتماعاتِ اللجانِ المشتركةِ وتفعيلِ التنسيقِ الدبلوماسيِ المباشرِ.