راية دمشق على حدود روجافا: خطوة رمزية أم بداية تسوية كبرى؟
الكاتب : أحمد السخني
في تطور لافت على الحدود السورية – العراقية، رُفع العلم السوري على معبر سيمالكا – فيشخابور الذي يربط مناطق شمال شرق سوريا بإقليم كردستان العراق عبر نهر دجلة. المشهد لم يقتصر على المعبر فحسب، بل امتد أيضًا إلى بلدية أبوحمام ودوار المعامل في دير الزور، ما فتح الباب واسعًا أمام التأويلات حول دوافع الخطوة وأبعادها السياسية.
المعبر الذي افتتح عام 2013 بعد “اجتماع هولير” بين المجلس الوطني الكردي ومجلس شعب غربي كردستان برعاية مسعود بارزاني، كان منذ البداية أكثر من مجرد منفذ تجاري أو إنساني. فقد تحول مع مرور الوقت إلى شريان يختزن رمزية سياسية تتجاوز عبور المرضى والبضائع، ليصبح ورقة ضغط بيد القوى الفاعلة محليًا وإقليميًا.
المفاوضات مع دمشق والرسائل الرمزية
رفع العلم السوري اليوم يأتي في وقت حساس، حيث لا تزال المفاوضات بين الإدارة الذاتية ودمشق في مرحلة تبادل الأفكار، بحسب ما أكدته إلهام أحمد، مسؤولة الشؤون الخارجية في الإدارة الذاتية. الخلافات الأساسية، كما أشارت، تتمحور حول مستقبل العلاقة بين “قسد” والجيش السوري الجديد وآلية دمجهما، إضافة إلى شكل النظام السياسي بين المركزية واللامركزية. كما كشفت عن مقترحات تتعلق بتولي مظلوم عبدي أو أحد ضباط “قسد” مناصب سيادية عسكرية مثل وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان، دون أن تبدي دمشق أي موقف رسمي حتى الآن.
وترتبط هذه المفاوضات بشكل وثيق بموعد 10 آذار، حيث ترى أوساط سياسية أن الإدارة الذاتية كلما اقترب هذا التاريخ رفعت سقف مطالبها، وكان آخرها طرح اسم مظلوم عبدي كمرشح لتولي وزارة الدفاع، في خطوة قد تزيد من تعقيد التفاهمات مع دمشق.
لكن الرمزية لا تمر مرور الكرام على الشارع المحلي. أصوات مدنية تساءلت عن جدوى رفع علم الدولة المركزية في ظل تعدد الرايات:
“بربي، هالإدارة الذاتية حيرتنا. يا جماعة ارفعوا علم متفق عليه دوليًا (علم كردستان مثلًا) مو شعار الإدارة الذاتية. يعني كم راية وكم علم عندكم؟ حدا يشرحلنا بالمعنى”.
قراءة في أبعاد المشهد
في قراءة أعمق، يمكن النظر إلى ما جرى كسيناريو مركب: رسالة تطمين موجهة إلى دمشق بأن الإدارة الذاتية لا تغلق الباب أمام التفاهمات؛ اختبار للشارع المحلي وردود فعله تجاه عودة رموز الدولة المركزية؛ وأداة تفاوضية لتحسين موقع الإدارة الذاتية في أي تسوية سياسية مرتقبة. وفي المقابل، تبقى المخاطر قائمة: من استفزاز بعض الفصائل والقوى الاجتماعية، إلى إثارة حساسية الأطراف الإقليمية التي تراقب أي تغيير في معادلة الحدود والمعابر.
وفي هذا السياق، برز العرض الأمريكي الذي طرح خلال مؤتمر الأمم المتحدة حول إعادة النازحين، والذي تضمن مقترحًا يقضي بإمكانية تسليم الحكومة السورية مسؤولية إدارة السجون والمراكز التي تضم آلاف المقاتلين المحتجزين في شمال شرق سوريا، كجزء من مقاربة أوسع لخفض المخاطر الأمنية وتعزيز الاستقرار.
من هنا، فإن رفع العلم السوري على معبر سيمالكا لا يمكن اعتباره مجرد حركة رمزية عابرة، بل هو مؤشر إلى مرحلة جديدة يجري التمهيد لها بلغة الرموز قبل الدخول في التفاصيل التقنية والسياسية. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل تمهد هذه الخطوة لمسار تفاوضي جدي يعيد رسم خريطة النفوذ والسيادة في شمال شرق سوريا، أم أنها ستبقى في حدود الإشارات الإعلامية والرسائل المتبادلة؟
وبذلك، يبدو أن رفع العلم السوري، مقترحات مظلوم عبدي المتعلقة بوزارة الدفاع في 10 آذار، العرض الأمريكي بشأن إدارة السجون، والتحرك التركي المتصاعد في الشمال، ليست أحداثًا منفصلة، بل خيوط مترابطة قد تصنع في المستقبل مشهدًا أوسع لإعادة رسم التوازنات السياسية والأمنية في شمال شرق سوريا.
التساؤلات لم تتوقف هنا، إذ برزت مخاوف من أن يكون رفع العلم خطوة أحادية لم تُناقش داخل الأطر الكردية، أو محاولة لاختبار ردود فعل القوى المحلية والإقليمية قبل الذهاب إلى تفاهمات أوسع.
ويضاف إلى المشهد التحرك التركي المتصاعد في الشمال السوري، والذي يضع أي تقارب بين الإدارة الذاتية ودمشق تحت مجهر أنقرة، باعتباره تهديدًا محتملًا لمعادلة الأمن القومي التركي.