الشعب يريد جيشًا واحداً و”قسد” تفرض فيتو “العمال الكردستاني”
صراع الهوية والوحدة في الشرق السوري

الكاتب : مصطفى مهنا

نقد وتحليل سياسي أدبي لبيان قسد حول الإندماج بالجيش السوري الجديد. تعلي قيادة قوات سوريا الديمقراطية قسد في تصريحاتها الاخيرة سقف الشروط لعملية الإندماج في الجيش السوري الجديد المزمع تشكيله، مؤكدةً على ضرورة إحترام هوية قسد ونضالها وتضحياتها وحفظ حقوق جميع المكونات.

هذا الموقف، الذي يراهن على الخطوات القادمة للحكومة الانتقالية لتحديد مصير الدمج، يتطلب وقفة تحليلية نقدية لفك رموزه والإطلاع على ابعاده الحقيقية.

إنّ اصرار قسد على انها الاساس لبناء الجيش الوطني الجديد وإنها قوة وطنية جامعة يواجه تساؤلات جدية حول التمثيل الحقيقي، فالروايات المتداولة والتي لا يمكن اغفالها تشير الى أن تأسيس قسد جاء في سياق ترتيبات أمنية سابقة، حيث ينظر إليها من قبل كثيرين على أنها امتداد لوحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK)، وقد استخدمت في بدايتها كآلية لضبط الشارع الكردي بعد انسحاب قوات النظام السوري السابق من مناطق واسعة.

بالتالي، فإن الادعاء بانها تمثل كافة مكونات الشمال والشرق او النواة الاساسية يفتقر الى الإجماع الشعبي والسياسي، ويثير الشكوك حول دوافع التمسك بـ الهوية الخاصة مقابل المطلب الوطني بالتوحيد.

صحيح ان قسد أدت دورًا رئيسياً بدعم من التحالف الدولي في دحر تنظيم داعش لكن هذه التضحيات التي يتم التذكير بها باستمرار تحولت الى ارضية لشرعنة بقاء وتمدد نفوذ لا يقتصر على البعد العسكري. فاستخدام قسد من قبل قوى دولية خاصًة الولايات المتحدة في معركة داعش اعطى غطاءً لمشاريع إقليمية ودولية، هدفها النهائي وفقًا لمنظور نقدي واسع الانتشار، هو إبقاء الفضاء السوري تحت التجزئة والنفوذ، وهو ما يشار اليه احيانًا بـ تقسيم وظيفي يخدم مصالح تلك القوى. الشعب السوري يرى أن مهمة مكافحة الارهاب قد انتهت رسميًا، وما يجب ان يتبعها هو سحب الذريعة الخارجية وبناء جيش وطني موحد.

إنّ الشروط المفروضة على عملية الدمج، والمتمثلة في حفظ الهوية والهياكل، تفهم على إنها محاولة للتفاوض على نصيب سياسي وإداري ضمن الدولة السورية، وليس مجرد دمج عسكري. هذا التكتيك، الذي يركز على تمديد الأزمة وعدم إشاعة الطمأنة من جانب الحكومة المؤقتة، ينظر إليه كرهان على الحواف والمنطقة الرمادية في الصراع، لعل وعسى ان يثمر ذلك اعترافاً بـ الإدارة الذاتية في منطقة واسعة. وتأتي عملية تغيير التسمية من الجزيرة السورية الى شمال وشرق سوريا لتؤكد البعد السياسي لهذا التوجه الانفصالي المقنع.

بصرف النظر عن الجهة التي شكلت قسد ومن دعمها، فان أغلبية السوريين في المنطقة وغيرها يتطلعون بشغف إلى دولة موحدة وجيش وطني يمثل السيادة السورية دون شروط أو إملاءات تابعة لأجندات حزبية (حزب العمال الكردستاني) أو خارجية (امريكا/اسرائيل). إنّ التمسك بـ هوية قسد وشروطها يعني عملياً تحويل عملية الدمج إلى عملية مساومة سياسية على حساب وحدة المؤسسة العسكرية الوطنية. الرفض الشعبي يكمن في عدم الرغبة بتكرار نموذج المليشيات المؤدلجة تحت أي اسم، بل في الإذعان الكامل للمرجعية الوطنية الجامعة.

خلاصة القول، إنّ بيان قسد يعكس إستراتيجية التفاوض من موقع القوة التي يوفرها الغطاء الدولي، لكنه يتجاهل حقيقة أن الاستقرار الوطني لا يتحقق بـ الشروط الحزبية بل بـ الإرادة الشعبية للتوحيد. مصير عملية الإندماج لا يجب أن يحدده مصير هوية قسد كجماعة، بل مصير الدولة السورية كوحدةً لا تتجزأ.