قسد ووزير الدفاع المستعار: لعبة السلطة أم كوميديا سياسية؟
الكاتبة : صفا عبد التركي
في خطوة تكاد تكون أقرب إلى الكوميديا السوداء منها إلى سياسة جادة، أعلنت “قسد” عن طرح قائدها مظلوم عبدي أو أحد ضباطها لتولي منصب وزير الدفاع في الحكومة السورية. بينما تصف الرئيسة المشتركة للعلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد المفاوضات بأنها مجرد “تبادل أفكار”، تبدو دمشق أكثر تحفظًا، معتبرة أن المبادرة الجديدة مجرد مناورة لتأجيل الالتزامات الرسمية للاتفاق الموقع في 10 آذار/مارس.
ما يزيد المشهد سخريًة هو تزامن هذه المبادرة مع تصريحات الرئيس أحمد الشرع بأن “قسد لا تمثل كل المكون الكردي”، ما يضعف الرواية الكردية بأنها الناطق الوحيد باسم الأكراد، ويكشف أن اللعبة السياسية أكثر تعقيدًا مما يظهر على الشاشات التلفزيونية. في الوقت نفسه، تركيا تراقب الوضع عن كثب، مع التهديدات الميدانية في ريف حلب ومنبج التي تستخدم لتأكيد أنها مستعدة للتدخل إذا اقتضت الضرورة، بينما تزعم “قسد” أن الهجمات مجرد ذريعة لعدم الالتزام الكامل بالمفاوضات.
شراء الوقت بزي سياسي: فن المراوغة
تصريحات إلهام أحمد تكشف استراتيجية مزدوجة: تقديم انفتاح دبلوماسي من جهة، والمماطلة العملية من جهة أخرى. “قسد” تطالب بالاندماج التدريجي لعناصرها الـ100 ألف في الجيش السوري الجديد، بما في ذلك وحدات حماية المرأة (12–13 ألف مقاتلة)، مع رفض الدمج المباشر خوفًا من فقدان النفوذ. على الورق، يبدو هذا حل وسط، لكن على الأرض، تتحول المفاوضات إلى مهرجان تأجيل، حيث تقدم مطالب جديدة لم يتضمنها اتفاق 10 آذار/مارس، وتظل الاجتماعات التقنية معلقة بلا موعد محدد.
ومن الجانب السياسي، اقتراح نظام لامركزي وبرلمان بغرفتين، مع ضمان مشاركة النساء وتعليم المكونات باللغات الأم، يبدو كعرض بصري مبهر، لكنه عمليًا يفتقر لأي أدوات تنفيذية. يبدو أن “قسد” تحاول تصوير نفسها كطرف إيجابي، بينما الواقع يكشف عن رغبة واضحة في شراء الوقت وانتظار التطورات الإقليمية والدولية لتصب في صالحها.
دمج تدريجي، التهديد التركي، والسخرية الكبرى
الهجمات الأخيرة في مناطق مثل ريف حلب ومنبج تعكس أن “قسد” لا تزال تمارس نفوذها العسكري بعيدًا عن أي التزام رسمي بالاندماج. تركيا، من جانبها، ترفع أصابعها التحذيرية، مؤكدة أن أي تهدئة مرتبطة بتنفيذ مبدأ “دولة واحدة، جيش واحد”، وتضع الجميع تحت المراقبة السياسية والميدانية المستمرة. وفي الوقت نفسه، دمشق تلتزم الصمت الاستراتيجي، وترى في المماطلة الكردية فرصة لاختبار جدية الطرف الآخر.
في النهاية، ما قدمته “قسد” ليس مجرد اقتراح سياسي، بل مسرحية سياسية معقدة تحمل كل عناصر الكوميديا السوداء: وزير دفاع افتراضي، مئات آلاف المقاتلين في انتظار الاندماج التدريجي، مطالب سياسية على الورق، وتهديدات تركية معلقة كخلفية درامية. كل طرف يظهر بمظهر “البطل الإيجابي”، بينما الحقيقة تقول إن اللعبة الحقيقية هي فن شراء الوقت، التأجيل المبرمج، والمراوغة السياسية، مع الحفاظ على الصورة أمام المجتمع الدولي.
السؤال الذي يظل معلقًا: هل سيقبل النظام السوري وزير الدفاع الافتراضي، أم ستستمر هذه المسرحية الهزلية إلى أجل غير مسمى، لتصبح درسًا في فن التظاهر بالانفتاح وشراء الوقت السياسي، لتظل القوى المتصارعة في سوريا فرسانًا من ورق في ملعب السياسة.