الرقة بين دواعش السلم ومقاتلي الحرب

الكاتب : أحمد السخني

تشهد مدينتا الرقة والطبقة منذ فجر اليوم حملة واسعة من المداهمات والاعتقالات نفذتها ميليشيا قسد، حيث اقتادت أكثر من 500 شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عامًا من منطقتي الصناعة والماكف إلى معسكرات التجنيد الإجباري. ورافق هذه العملية انتشار مكثف للدوريات العسكرية في شوارع المدينة وأزقتها، بينما تم اختطاف شبان من أماكن عملهم ومن الطرق العامة. كما داهمت ميليشيا قسد معاهد تعليمية بارزة مثل معاهد الفردوس والتوسعية واقتادت طلابًا، بينهم قاصرون، إلى حافلات عسكرية متجهة نحو معسكرات التجنيد الإجباري.

اعتقلت ميليشيا قسد اليوم عددًا كبيرًا من الشبان في الرقة، بينهم قاصرون وطلاب، بهدف تجنيدهم قسرًا في صفوفها. الحملة لم تقتصر على المداهمات في المنازل والمعاهد، بل شملت الأسواق والطرقات الرئيسية مثل شارع تل أبيض وأبو الهيس، بالإضافة إلى محيط الجامع النووي، في خطوة أثارت حالة من الرعب بين السكان. انتشار العناصر المسلحة مع المدرعات وأدوات العسكرة خلق حالة من الفوضى المستمرة، بينما أصبح المدنيون عاجزين عن متابعة أعمالهم ودراستهم بشكل طبيعي.


وفي مدينة الطبقة، أقامت ميليشيا قسد حاجزًا عند مدخل المدينة وبدأت حملة اعتقالات عشوائية للشباب المارين على الطريق، وسط حالة من القلق والفزع بين الأهالي. هؤلاء الشبان الرقاويون اعتقلتهم الميليشيا الكردية لتجنيدهم، وقد حدث ذلك خلال اليومين الماضيين. وقالت الميليشيا إن السبب هو “الدفاع عن الوطن”، لكن أي وطن؟ إنه “الإقليم”، إقليم روج آفا. هؤلاء الشباب الصغار سيقعون ضحايا في معارك قد تكون ضد إخوتهم وأقاربهم.

يواجه أهالي المدينة صعوبة كبيرة في التنقل، خاصة بعد أن قامت الحكومة السورية بقطع طريق حلب – الرقة، ما جعل السكان داخل مدينة محاصرة عمليًا، وكأنهم في سجن كبير لا يسمح لهم بالهروب أو حماية أنفسهم من ممارسات ميليشيا قسد.

سياسة قسد بين التهم والتجنيد الإجباري وآثارها على السكان


بالنسبة إلى ميليشيا قسد، فإن الشباب في المناطق التي تحكمها بالاستبداد والترهيب هم “دواعش” يجب اعتقالهم في زمن السلم، وهم مقاتلون يجب تجنيدهم عند استشعار الحرب. المداهمات اليومية وآثارها على المدنيين واضحة؛ فالشبان يعيشون حالة من الخوف المستمر تمنعهم من الذهاب إلى أعمالهم، والطلاب يجدون صعوبة في متابعة تعليمهم وسط مداهمات متكررة للمؤسسات التعليمية. مصادرة الممتلكات والاعتقالات اليومية تجعل السكان في موقف ضعف كامل. وأكد الأهالي أنهم لا يعلمون كيف يحمون أبناءهم، فميليشيا قسد من جهة تجندهم، والحكومة من جهة أخرى تغلق الطرق بينهم وبين المدنيين، مما يجعلهم محاصرين بلا حماية أو خيار.

تتبع ميليشيا قسد سياسة مزدوجة تجاه الشباب؛ ففي زمن السلم تصفهم بالتطرف واعتقالهم بحجج مثل خلايا نائمة أو تهديد أمني محتمل، بينما في زمن الاستعداد للحرب يتحول هؤلاء الشباب إلى مقاتلين يُجبرون على حمل السلاح والزج بهم في الصفوف الأمامية. هذا التناقض يكشف حجم السيطرة والتلاعب بالتوصيفات بحسب المرحلة.

مستقبل جيل ضائع بين تهم الإرهاب والتجنيد

الادعاءات الرسمية حول أن تعداد ميليشيا قسد بلغ مئة ألف مقاتل تطرح تساؤلات عن هوية هؤلاء، إذ إن العديد منهم أطفال وشباب جندوا قسرًا وزج بهم في صفوف الميليشيا بدلًا من أن يعيشوا حياتهم الطبيعية. هؤلاء المجندون ليسوا قوة حقيقية بل ضحايا ينتظرون فرصة الخلاص، وأي تحرك عسكري محتمل سيكشف هشاشة الهيكل العسكري للميليشيا ويؤدي إلى اضطراب واسع.

الرقة اليوم تمثل نموذجًا صارخًا لمعاناة جيل كامل يعيش بين تهمة جاهزة وتجند قسري. فالجيل مطلوب منه أن يكون عدوًا في وقت السلم وجنديًا إجباريًا عند اقتراب الحرب. الأهالي ينظرون بقلق وخوف إلى هذه الممارسات التي تحرم الشباب من التعليم والعمل والحياة الطبيعية، وتضعهم دائمًا تحت سيف الاعتقال والاقتياد القسري، فيما تستمر ميليشيا قسد بترسيخ واقع قاس يقوم على معادلة واحدة: الشباب أوراق بيد السلطة تستخدم حين تشاء وتحت أي توصيف يناسب المرحلة، مرة “دواعش” ومرة “مقاتلين”، والنتيجة واحدة: شباب مغيبون ومستقبل المدينة مهدد بالضياع.

الميليشيا تشن حملة اعتقالات واسعة ومسعورة لسوق شباب الرقة إلى التجنيد الإجباري ليكونوا في مواجهة إخوتهم السوريين في حال نشوب أي معركة مع الحكومة، بينما تستمر عملية نشر الدوريات المكثفة في الأسواق والشوارع مع عسكرة المدينة وانتشار المدرعات. هذه الهمجية تثبت فشل كل الادعاءات بالديمقراطية في المنطقة، وتزيد الأهالي رفضًا للقوى الخارجة عن القانون، مع مطالبات مستمرة للحكومة بحماية المدنيين وضم هذه المناطق إلى سيادة الدولة السورية بأسرع وقت ممكن، حيث إن الخدمة العسكرية النظامية خارج سيطرة ميليشيا قسد أصبحت في خبر كان، وتمارس الأخيرة مهامها كوريثة للنظام السابق في الرقة.