جدل واسع حول مناهج “الإدارة الذاتية - قسد” في مناطق الجزيرة السورية

الكاتب : محمد الحمود البليبل

في شمال وشرق سوريا (مناطق الجزيرة السورية) يعيش الأهالي مأساة حقيقية مع ما تُسمّى “الإدارة الذاتية – قسد”، التي فرضت مناهج تعليمية جديدة بعد أن ألغت المناهج الرسمية السورية. فجأة وجد الأهالي أنفسهم أمام كتب غريبة لا تشبه واقعهم ولا تعكس هويتهم، وفي الوقت ذاته لا يعترف بها أحد، لا داخل البلاد ولا خارجها. هذا يعني ببساطة أن مستقبل أبنائهم الدراسي والجامعي أصبح مجهولًا.

شهادات الأهالي والمعلمين

أحد المعلمين الذي فصل من عمله قال بحسرة: “أمضيت عشرين عامًا في التعليم، وفي لحظة واحدة وجدت نفسي خارج المدرسة فقط لأنني اعترضت على منهاج لا يليق بأولادنا. لم أعد أستطيع أن أشرح لأطفالي ماذا سيحدث لهم بعد سنوات من الدراسة التي قد لا تعني شيئًا.” فيما يروي والد أحد الطلاب أنه اضطر لحرق كتب المنهاج الجديد قائلًا: “لا أستطيع أن أقبل أن يدرس ابني أفكارًا لا علاقة لها بواقعنا. حرق هذه الكتب كان أهون عليّ من أن أتركه يضيع وسط هذه المناهج.”

عبء مالي وضياع هوية

الخيارات أمام الأهالي محدودة؛ فإما القبول بمناهج “الإدارة الذاتية – قسد” التي يعتبرونها بلا قيمة علمية ولا اعتراف رسمي، أو اللجوء إلى المعاهد الخاصة التي تدرّس المناهج السورية المعترف بها مقابل 30 دولارًا شهريًا على الأقل للطالب الواحد، وهو مبلغ كبير بالنسبة لعائلات تعيش تحت ضغط اقتصادي خانق. وهكذا تحول أبسط حقوق الأطفال في التعلم إلى عبء مالي جديد يثقل كاهل الأسر.

الأهالي يرون أن الخطر الأكبر ليس في الكلفة المادية فحسب، بل في مضمون المناهج نفسها. ففي الوقت الذي يتوقعون فيه أن يدرس أبناؤهم العلوم والرياضيات واللغة العربية، يفاجؤون بدروس عن “ثقافة وأخلاق ماني وبوذا وزرادشت” وموضوعات عن “قدسية المرأة في المجتمع الطبيعي”، وهي نصوص يعتبرونها غريبة ومفروضة قسرًا عليهم، ولا علاقة لها بالهوية العربية ولا بالحاجات التعليمية الفعلية. بالنسبة لكثيرين، هذه ليست مناهج بل وسيلة لغرس أفكار أيديولوجية تتبنّاها “قسد”، حتى لو كان الثمن هو ضياع مستقبل جيل كامل.

اليوم يعيش الطلاب في حالة ارتباك وخوف من المستقبل؛ فلا شهاداتهم معترف بها، ولا أبواب الجامعات مفتوحة أمامهم، ولا حتى الأهالي قادرون على تأمين بدائل مستقرة لأبنائهم. الكل يتحدث بمرارة عن جيل يُساق نحو المجهول بسبب قرارات سياسية لا تراعي مصلحة الأطفال، فيما تواصل “الإدارة الذاتية – قسد” فرض مشروعها التعليمي وكأنها منفصلة تمامًا عن هموم المجتمع ورفضه.