عرض قسد السياسي: دعوة تفاوض أم بحث عن جمهور؟

فريق التحرير

دعوة مظلوم عبدي لإشراك الدروز والعلويين في مفاوضات قسد مع الحكومة السورية بدت وكأنها إعلان ترويجي لفيلم سياسي طويل، لا خطوة جدية. وكالعادة، تُقدَّم الأمور بلمسة درامية: قسد “تفتح بابها” للأقليات، وكأنها دولة كاملة المواصفات تُجري مفاوضات خارجية، لا فصيلًا يريد أن يبدو أكبر من حجمه الطبيعي.

مشهد البالونات السياسية

المشهد كله يشبه مؤتمرًا صحفيًا مليئًا بالبالونات الهوائية: كلام كثير، تفاصيل متخمة، ورسائل مبالغ فيها لدرجة أن المتابع قد يظن أن قسد بصدد تأسيس اتحاد فدرالي خاص بها، وتبحث فقط عن “شركاء رمزيين” ليكتمل المشهد. دعوة تشبه محاولة إظهار سخاء سياسي غير موجود أصلاً، وتقديم قسد كحاضنة وطنية كبرى في حين أن الواقع على الأرض لا يدعم هذا الخطاب المتورم.

محاولة فرض الندية مع دمشق

الحقيقة أن هذه الدعوة ليست إلا محاولة لإعادة ترتيب الطاولة بحيث تجلس قسد مقابل الدولة ندًا لند، وكأنها كيان مكافئ لدمشق، يقرر من سيشارك وكيف تُدار العملية السياسية. تحويل الأقليات إلى “ديكور تفاوضي” يمنح الخطاب ملمسًا وطنيًا جذابًا، مع أنه في جوهره مجرد وسيلة لرفع سقف المطالب وتلميع الدور السياسي دون أي تغييرات حقيقية

فوضى الطاولات في المشهد السوري

النتيجة؟ انزلاق المشهد السوري إلى فوضى طاولات:

  • طاولة دمشق

  • طاولة قسد

  • وطاولات صغيرة يُلمَّح إليها عند الحاجة لإظهار أن “الجميع ممثل”

وكأن البلد يتحول إلى سوق تفاوض مفتوح، فيه كل طرف يعرض بضاعته السياسية ويزاود بما يستطيع، بينما تتسع المسافة أكثر بين السوريين وبين أي مسار يوحدهم.

الأقليات كورقة تفاوض

وحتى الأقليات نفسها تتحول من مكونات أصيلة في المجتمع السوري إلى أوراق تفاوض تُلوَّح بها. إشراكهم بهذا الشكل لا علاقة له بالتمثيل، بل هو استخدام رمزي أشبه بوضع صور ضيوف شرف على بروشور مؤتمر صحفي لا يحضرونه أصلًا.

اللامركزية المتوحشة واستعراضات السياسة

فكرة “اللامركزية المتوحشة” التي تلوح في الأفق ليست ناتجة عن خلاف سياسي؛ بل عن هذا النوع من الاستعراضات التي تحاول فيها كل جهة خلق عالمها السياسي الخاص، ثم مطالبة الآخرين بالتصرف وكأنه واقع حقيقي. وهكذا يتحول النقاش الوطني إلى مسرح متعدد الستائر، كل فصيل يفتح ستارًا جديدًا ليعلن عن مبادرته الكبرى التي لا تغيّر شيئًا سوى زيادة الضباب السياسي.

الحاجة إلى طاولة وطنية واحدة

ما تحتاجه سوريا ليس عروضًا إضافية ولا مقاعد جديدة على طاولات مبعثرة، بل طاولة واحدة تعترف بها جميع الأطراف. أما هذه الدعوات، بالشكل الذي تُطرح فيه، فهي ليست أكثر من محاولة جديدة لتكريس الفواصل بدل الجسور، وإبقاء البلد في حالة “تماسك شكلي” بينما يتآكل العمق السياسي والاجتماعي أكثر فأكثر.