تناقض التصريحات بين قسد ودمشق:
قراءة في رسائل التصعيد وضبابية المشهد الأمني في شرق سوريا

فريق التحرير

لم يمر الأسبوع الممتد بين 17 و20 نوفمبر مرور العابر في شرق الفرات. بدا المشهد أكثر توتراً من المعتاد، وظهر بوضوح أن الفجوة بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية لا تزال أعمق من أن تخفيها بيانات رسمية غير متناسقة. فالتضارب بين ما قاله فرهاد الشامي وما أعلنته وزارة الدفاع السورية لم يكن مجرد اختلاف في توصيف حادثة، بل انعكاس لطبيعة العلاقة الهشة التي ما زالت تحكم الطرفين منذ سنوات.

رواية قسد: محاولة لترسيم حدود مسؤوليات لا يعترف بها الآخر

في حديث الشامي، يمكن ملاحظة محاولة واعية لإعادة ترتيب السياق بما يبعد قسد عن اتهامات الاستفزاز، ويضع دمشق في موقع الطرف الذي يتجاهل التنسيق، أو لا يرغب به أصلاً.
يشدد الشامي على أن قسد تتعامل مع مصادر اعتداءات حقيقية على الأرض، وأن ما تقوم به يدخل في نطاق الدفاع، لا الهجوم.
ويتجاوز ذلك نحو تحميل دمشق جزءاً من المسؤولية، في لهجة توحي بأن العلاقة ليست علاقة شريكين مضطرين للتعاون، بل علاقة طرفين يتجنب أحدهما الآخر.

هذا النوع من الخطابات عادة ما يظهر عندما تحاول القوى المحلية حماية صورتها أمام جمهورها وأمام شركائها الدوليين، خصوصاً في بيئة متشابكة مثل شرق الفرات.

رواية دمشق: دفاع عن هيبة الدولة ولو عبر رواية متصلبة

في المقابل، تذهب وزارة الدفاع السورية إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه خطاب رسمي يريد تثبيت فكرة السيادة.
تتحدث الوزارة عن هجوم مباغت على نقاط للجيش في معدان، وتعدّد الخسائر، وتؤكد استعادة المواقع.
الرسالة هنا لا تتعلق بتفاصيل الحادثة بقدر ما تتعلق بتثبيت مبدأ: الدولة هي صاحبة القرار العسكري، وأي قوة أخرى تعمل خارج هذا الإطار هي قوة متمردة مهما كانت تسمياتها أو ظروفها.

هذا التصعيد في اللغة ليس جديداً، لكنه يصبح أكثر حساسية عندما يتكرر في مناطق تماس اعتادت أن تتعايش على الحد الأدنى من التفاهمات.

المشكلة ليست حادثة معدان، بل سؤال من يملك حق القرار

المفارقة أن الطرفين يعرفان تماماً أن الخلاف ليس حرب روايات.
المسألة تتعلق بمساحة السلطة التي لم تُحسم منذ سنوات:

  • من يدير الأرض؟

  • من يحدد قواعد الاشتباك؟

  • ومن يملك حق اتخاذ القرار عندما تتوتر الجبهات؟

ولعل ما يزيد هذا المشهد إرباكاً هو أن التفاهمات التي خرجت في شهر آذار بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي كان يفترض أن تقدم نموذجاً أكثر هدوءاً في شرق الفرات.
الكثيرون رأوا في تلك التفاهمات بداية مرحلة جديدة، أكثر عقلانية، وأقرب إلى تسوية واقعية تضمن تقليل الاحتكاك.
لكن التطورات الأخيرة توضح أن الاتفاق ظل نظرياً، لم يُترجم إلى آليات عمل أو لجان متابعة أو خطوط اتصال قادرة على احتواء التوتر.

اختبار جديد وواقعي لما تبقى من اتفاق آذار

لا تبدو المشكلة في ما قيل حول حادثة معدان، بل في ما لم يتم إنجازه بعد.
الاتفاق الذي كان يُفترض أن يشكل مظلة مشتركة لم يتحول إلى مرجعية، ورغم مرور أشهر على توقيعه، لا تزال العلاقة بين قسد ودمشق محكومة بردود أفعال أكثر من كونها محكومة بقواعد ثابتة.

وبالتالي، فإن شرق الفرات يدخل اليوم مرحلة اختبار جديدة:
هل سيعود الجانبان إلى طاولة ترتب حدود الأدوار وتمنع انفلات الميدان؟
أم سيتكرر سيناريو التصعيد الموسمي الذي يجعل المنطقة تعيش على حافة التوتر دائماً؟

ما يجري اليوم يوحي بأن الأمور لا تزال معلقة، وأن الطرفين بحاجة إلى ما هو أبعد من البيانات لتثبيت الاستقرار في واحدة من أكثر مناطق سوريا حساسية وتعقيداً.