أيلولة اتفاقية 1974:
زيارة نتنياهو وتصفية القانون الدولي في الجنوب

الكاتب :مصطفى مهنا

لم تكن جولة تفقدية، بل كانت عملية اقتحام سافرة لسيادة دولة، وتدنيساً مقصوداً لحرمة حدودها! في مشهد لم يسبق له مثيل منذ عقود، أطلق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، رصاصة تحدٍ مُدوية في وجه الشرعية الدولية، متجولاً برفقة جنرالاته في الأراضي الجنوبية السورية.

إنها ليست زيارة، بل إعلان عن زمن جديد للغطرسة، ومحاولة يائسة لسحق اتفاقيات الفصل تحت أقدام العسكرة وفرض “أمر واقع” بالقوة الغاشمة على الجمهورية العربية السورية المنهكة.

هذا التعدي تجاوز كل الأعراف، وحول خطوط الفصل إلى مجرد حبر على ورق، خاصةً مع تزايد حركة الوفود الإقليمية في المنطقة؛ إذ تأتي زيارة نتنياهو بعد يومين فقط من قيام وفد تركي-روسي بجولة في القنيطرة وبمحاذاة خطوط التماس الفاصلة، مما يشير إلى أن التصعيد الأخير هو رسالة مضادة ومحاولة لتثبيت النفوذ في سباق المنطقة الجنوبية المتسارع.

رقصة على جمر الحدود: محاولات لشرعنة البطلان

إن التجول العلني في منطقة عازلة، محكومة باتفاقيات فصل القوات، ليس مجرد خرق بروتوكولي، بل هو محاولة لشرعنة البطلان السياسي والقانوني.

لقد جاء الرد الرسمي السوري ليؤكد هذه الحقيقة بمرارة وقوة، فبيان وزارة الخارجية والمغتربين لم يكن مجرد إدانة، بل كان صكاً قانونياً يُعلن بطلان أي أثر يترتب على هذه الزيارة، مؤكداً أن جميع الإجراءات المتخذة في الجنوب السوري هي “باطلة ولاغية ولا تُرتب أي أثر قانوني وفقاً للقانون الدولي”.

دمشق تدرك أن هذا التعدي هدفه تكريس العدوان وتثبيت سياسات الاحتلال التوسعية على حساب وحدة أراضيها المغتصبة.

صمت المؤسسات الدولية وعجز "المنطقة العازلة"

في خضم هذا التحدي، لم يكن الصوت الدولي غائباً كلياً، لكنه بدا خجولاً ومتأخراً.

فمن جنيف، جاء تحذير المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي وصف الزيارة بأنها “مثيرة للقلق”، مطالباً إسرائيل بضرورة “احترام اتفاقية الفصل لعام 1974”.

هذا التصريح، وإن كان ضرورياً، فإنه يعكس في جوهره عجز المؤسسات الدولية عن لجم المتجبرين. إن المطالبة بـ “الاحترام” في مواجهة “الاستباحة” تبدو وكأنها همس خافت أمام هدير الدبابات والغطرسة السياسية.

الغضب الشعبي... حين يصبح الحق صرخة

إن التمادي في استعراض القوة على أرض الغير لا يثير المؤسسات الرسمية فحسب، بل يشعل جذوة الاستياء الشعبي الذي يرى في هذه الخطوة طعنة في خاصرة الكرامة الوطنية.

داست أقدام الاحتلال اليوم أرض الجنوب السوري، في مشهد استفزازي لم يراعِ حرمة الحدود ولا كرامة أمة.

هذه الجولة التي أداها نتنياهو بـ غطرسة مبيتة هي محاولة لـ “عسكرة السياسة” وفرض معادلات عسكرية جديدة.

ورغم حتمية الإدانة الرسمية من دمشق التي أعلنت بطلان هذا التعدي، يبرز الغضب الشعبي كـ القوة الرافضة الأصيلة.

فالاستياء الجماهيري، الذي يرى في الزيارة طعنة في خاصرة الكرامة الوطنية، هو الميزان الحقيقي لرفض “الأمر الواقع”.

إن عجز المؤسسات الدولية عن لجم المتجبرين يضع مسؤولية حفظ السيادة بشكل أكبر على عاتق الإرادة الشعبية التي لا يمكن ترويضها.

"في تقديري الخاص"

إن أشد ما يثير القلق ليس التمادي الإسرائيلي الذي أصبح سلوكاً متوقعاً بل هشاشة الموقف الدولي الذي يكتفي بـ “القلق والهمس”.

إن عجز الأمم المتحدة عن فرض احترام اتفاقياتها الخاصة (اتفاقية 1974) يمنح الاحتلال صك غفران ضمني للمضي في انتهاكاته.

ما لم يمارس المجتمع الدولي ضغطاً حقيقياً يتجاوز لغة البيانات الخجولة، فإن دمشق ستبقى وحيدة في مواجهة هذه “الغطرسة المبيتة”، وسيتحول القانون الدولي إلى مجرد إطار نظري لا قيمة له على أرض الواقع.