مجلس الشعب بعد سقوط النظام: بين وعود التغيير وممارسات الإقصاء

الكاتبة : صفا عبد تركي

بين ذاكرة الثورة واستبعاد الأسماء


إعلان القوائم النهائية للهيئات الناخبة لأول مجلس شعب بعد سقوط نظام الأسد لم يمر بهدوء. فبدل أن يعتبر لحظة تأسيسية جامعة، أثار موجة احتجاج واسعة مع استبعاد أسماء لثوار بارزين.

إيمان أمين مخلوطة، ابنة دمشق التي فقدت شقيقها أيمن تحت التعذيب في فرع 215، كتبت على صفحتها في فيسبوك:

“إخراجي مع العديد من الأصدقاء من هذه القائمة دون ذكر الأسباب فهو تشويه سمعة ثورية واجتماعية… بجهودنا وبتضحياتنا نحن اكتمل النصر، وهذا ما يقوله الرئيس أحمد الشرع في خطاباته. أما أن يتم التصريح عن مقدمي الطعون وذكر الأسباب مع الأدلة أو سيعتبر هذا فعلًا إقصائيًا مع سابق الإصرار والترصد.”

وفي السياق نفسه، عبرت الإعلامية دانا سقباني عن صدمتها قائلة:

“وعليه أعتبر أن إخراج اسمي من القائمة من دون ذكر أسباب مقنعة هو تشويه سمعة ثورية، وأضع الأمر برسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب.”

هذه الشهادات تعكس شعورًا متزايدًا لدى المستبعدين بأن ما جرى يتجاوز البعد الإداري إلى محاولة للنيل من تاريخهم النضالي.

تضامنات وبيانات احتجاجية

دود الفعل لم تقتصر على أصحاب الأسماء. الناشط تامر تركماني كتب معلقًا:

“أختنا إيمان من حرائر دمشق الأوائل… كيف بيتم سحب اسمها من الهيئة الناخبة لمجلس الشعب بسبب بلاغ كيدي من أحد شبيحة النظام البائد؟ سحب الاسم يتم بحالة واحدة إذا كان الشخص على صلة بالنظام البائد!! كتير من الأسماء تعرضوا لهالمشكلة.. وهاد معيب بحقنا.”

وفي حريتان، أصدر يحيى نعناع وعدد من الشخصيات بيانًا عاجلًا جاء فيه:

“فوجئنا بإزالة أسمائنا من القوائم النهائية للمرشحين لعضوية مجلس الشعب بدون سبب قانوني ولا حجة مقنعة… إن ما صدر عن لجنة الطعون واللجنة العليا للانتخابات سابقة خطيرة تنطوي على انتهاكات قانونية متعمدة لقانون الانتخابات وللعرف السائد.”

هذا التضامن الواسع – من ناشطين أفراد، إلى شخصيات عامة، وصولًا إلى بيانات جماعية – يُظهر أن القضية لم تعد مرتبطة بأسماء بعينها، بل تحولت إلى اختبار أوسع لمفهوم الشرعية والتمثيل بعد الثورة.

رواية اللجنة العليا ومأزق الشرعية


في مواجهة هذه الاعتراضات، أصدرت اللجنة العليا للانتخابات تنويهًا أكدت فيه:

“إن ورود أسماء لأخوات وأخوة في القوائم الأولية وعدم ورودها في القوائم النهائية، ليس مرده لأسباب تتعلق بشخوص الأخوات والأخوة ومكانتهم وسمعتهم… وإنما مرده أمور تقنية تتعلق بالتوزع السكاني والتنوع الثقافي والاختصاص العلمي.”

لكن هذا التفسير بدا عامًا وغير مقنع للكثيرين، إذ لم يقدم أي دليل علني على الطعون ولا معايير واضحة لما سمي “التنوع الثقافي والاختصاص العلمي”. وهنا تتجلى المعضلة: كيف يمكن لمجلس ناشئ يفترض أنه ثمرة ثورة الحرية أن يبدأ مساره بقرارات تثير شعورًا بالإقصاء وتشويه السمعة؟

تحليل أعمق: بين الثورة والمؤسسات

من زاوية تحليلية، يمكن قراءة هذه الأزمة بوصفها صدامًا مبكرًا بين “الذاكرة الثورية” و”المنطق المؤسسي”. فالثوار والمستبعدون يرون أن شرعيتهم تنبع من التضحيات والشهداء والسجون، بينما اللجنة تدعي أن الأولوية هي لبناء توازنات اجتماعية ومهنية.

لكن المشكلة أن غياب الشفافية في معايير الاستبعاد يفتح الباب أمام تأويلات سلبية: هل هي محاولة لتقليص نفوذ الرموز الثورية لصالح تسويات سياسية أوسع؟ أم أنها مجرد ارتباك إداري في إدارة انتخابات أولى من نوعها؟

في كل الأحوال، اتساع التضامنات والانسحابات يوحي بأن المسألة لن تطوى بسهولة، وأن المجلس الناشئ مهدد منذ البداية بفقدان جزء من شرعيته الشعبية.

يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتدارك مؤسسات ما بعد الأسد هذه الثغرات عبر مراجعة شاملة وشفافية أكبر، أم أن منطق الإقصاء سيلاحق التجربة منذ لحظتها الأولى، ليعيد إنتاج أزمات الماضي بطرق جديدة؟

شارك