بين التاريخ والاستعراض: ماذا سنحصل عليه من خطاب أحمد الشرع؟

الكاتب : محمد حمود البلبيل

 

تجه الأنظار إلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيلقي الرئيس أحمد الشرع خطابًا يُنتظر في الداخل والخارج كحدث قد يحمل في طياته بوصلة زمنية جديدة لسوريا. ليست اللحظة مجرد مرور روتيني على بروتوكولات دبلوماسية، بل تبدو، لمن عاشوا سنوات الحرب ونزفوا آلامها، كفرصة أو كاختبار لمدى صدقية النوايا وقدرة الكلام على أن يتحول إلى فعل.

لا يحتاج السوريون اليوم إلى بريقٍ لغوي جميل فحسب، بل هم في حاجة إلى كلمات تُترجم سريعًا إلى إجراءات: خارطة طريق للمصالحة، جدول زمني واضح لإعادة الإعمار، آليات فعّالة لعودة النازحين، وضمانات لحماية الحقوق الأساسية. لا يكفي أن تُقال عبارات عن “السلام” و”الوحدة” من على منبرٍ دولي، إن لم تكن هناك خريطة طريق تلامس واقع الناس وهمومهم اليومية.

*بين وعود المنابر وانتظار الشارع*


ورغم ذلك، يجب ألا نغلق الباب أمام إمكانية أن يكون هذا الخطاب تحولًا حقيقيًا. فالخطابات التي تترك أثرًا لا تُقاس ببلاغة القائل وحدها، بل بمدى ما تفعله الكلمات من ربط بين الرؤية والقدرة على التنفيذ، وبمدى ما تُحركه من تغيير في مواقف الداخل والخارج على السواء. فهل سيرتقي الخطاب إلى مستوى الطموح؟ أم سيتبدد كأضواء مسرح عابرة حين ينطفئ الجرس؟

هذا سؤال يطرحه كل مواطن في حلب وحمص ودرعا والرقة والقامشلي، وفي كل حي تعب الناس فيه من الانتظار. يتساءل الموظف البسيط إن كان سيجد عملًا أمامه غدًا، وتتساءل العائلة إن كانت ستعود إلى بيت يمكن أن تسميه وطنًا، وتتساءل الأجيال الشابة إن كانت هناك فرصة لمستقبل لا يُعاد تعريفه بالهجرة والتهجير.

*الفرق بين الخطاب التاريخي والاستعراض السياسي*


من المنطقي أن نراجع تاريخ الخطابات الكبرى: ليست كل كلمة تُحدث فرقًا، ولكن بعض الكلمات تفتح أبوابًا كان يُظن أنها مغلقة. الفرق بين الخطاب التاريخي والخطاب الاستعراضي غالبًا ما يكون التزامًا متبوعًا بخطوات: إعلان عن مبادرات قابلة للقياس، تحديد شركاء محليين ودوليين، آليات للمساءلة، وجدول زمني لا يترك المجال للاختباء خلف غموضٍ مريح.

الرسالة التي تحتاجها سوريا الآن ليست خطابًا يُطرب الآذان وحدها، بل خطابًا يُقنع الناس أنه يوجد مسار عملي يمكن الوثوق به. ثقة الشعب تُبنى على أفعال، لا على وعود عابرة. ولذلك، فإن أي محاولة لصياغة خطابٍ ناجح ينبغي أن تراعي لغًة تخاطب الداخل قبل الخارج، وأن تضع مصالح المواطنين في صلب المعادلة، لا كحاشية جانبية تُذكر فقط لأغراض التجميل الدبلوماسي.

في النهاية، يبقى المراقبون والمواطنون بصبرٍ مرهق: يتسلحون بالأمل، لكنهم يقرأون التاريخ أيضًا بعين ناقدة. إما أن يكون خطاب أحمد الشرع فصلًا يُسرع مسيرة المصالحة والبناء، أو أن يتحول إلى مشهدٍ آخر يُعاد لاحقًا في قاعات مختلفة. الفرق بين الحالتين ليس في المنبر وحده، بل في ما يأتي بعده من التزامٍ ملموس يترجم إلى واقع يعيش فيه الناس بكرامة.

الأنظار معلقة، والوقت مستعد لاختبار النوايا. وصوت الشارع بصمته الحقيقي سيقال في صناديق الاقتراع، أو في صدى القرارات العملية على الأرض. فهل سنشهد بداية صفحة جديدة أم فصلًا من فصول الانتظار الطويل؟ الإجابة ليست في الكلمات وحدها، بل في مقياس الالتزام الذي سيقاس به الخطاب فور انتهاء القافلة الكلامية: بالأفعال.