المفاضلات تستثني تل أبيض: مستقبل آلاف الطلاب في مهب الضياع
الكاتب : أحمد السخني
يعاني أكثر من 2500 طالب وطالبة في منطقة نبع السلام ” تل أبيض -رأس العين – سلوك “، المحاصرة منذ عام 2011، من صعوبة متابعة تعليمهم الجامعي. الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و35 سنة، توقف قسم كبير منهم عن الدراسة بسبب الظروف الأمنية التي شهدتها المنطقة بعد انطلاق الثورة السورية. ومع استمرار الحصار من قبل قوات سوريا الديمقراطية، أصبح الانتقال إلى مدن سورية أخرى صعبًا أو مستحيلًا، مما حال دون استكمال تعليمهم الجامعي حتى بعد حصولهم على شهادة البكالوريا. سنوات الحرمان الطويلة جعلت الطلاب يشعرون بالإحباط واليأس، إذ إن كل جهدهم الدراسي الذي بذلوه على مدار السنوات الماضية أصبح مهددًا بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم.
منذ تحرير مناطق نبع السلام “ تل أبيض -رأس العين – سلوك ” في أواخر عام 2019، تم افتتاح فروع جامعية تابعة لجامعة حلب “المحررة”، تقدم تخصصات محدودة تشمل: إدارة الأعمال، المعهد التقني الهندسي، الزراعة، الطب البيطري، التمريض، والحاسوب. تهدف هذه الخطوة إلى تمكين الطلاب من متابعة تعليمهم، إلا أن نقص التخصصات الأدبية والعلمية مثل الحقوق والعلوم السياسية والإعلام، حد من خيارات الطلاب الأكاديمية. هذا النقص أجبر غالبية الناجحين على التوقف عن متابعة تعليمهم وفق رغباتهم الدراسية، مما يزيد من التحديات التي تواجه مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
المفاجأة: استبعاد تل أبيض من قوائم المفاضلات
المفاجأة الكبرى جاءت مع إعلان قوائم المفاضلات الجامعية لهذا العام، إذ لم يتم شمول فرع تل أبيض ضمن هذه القوائم، ما أدى إلى حرمان الطلاب من التسجيل ومتابعة تعليمهم الجامعي. يقول أحد الطلاب: “نحن في نبع السلام ما زلنا محاصرين ولم يتغير علينا شيء بعد سقوط نظام الأسد. حتى لو حصلنا على أعلى الدرجات في البكالوريا لا نستطيع متابعة تعليمنا الجامعي.”
ويشير الأهالي إلى حالات اعتقال طلاب عند محاولة الانتقال إلى مناطق أخرى للتسجيل، معتبرين أن الخطر الأمني يمنعهم من إرسال أبنائهم خارج المنطقة. وقال أحد الأهالي: “عند إرسال ولدي لمحاولة التسجيل في منطقة السبخة، تم اعتقاله من قبل قوات سوريا الديمقراطية ولم يتم إخراجه حتى الآن.” هذه الوقائع تزيد من شعور الطلاب بالإحباط واليأس، وتضع مستقبلهم التعليمي تحت تهديد دائم، خاصة بعد سنوات من الانتظار والتفاني في الدراسة
تواجه الطلاب صعوبات إضافية تتجاوز عدم شمولهم في قوائم المفاضلات وتشمل: نقص التخصصات الجامعية، الوضع المادي الصعب، والحاجة إلى التنقل عبر مناطق خطرة لتسجيل أوراقهم، فضلًا عن التجنيد الإجباري المحتمل للشباب والفتيات من قبل قوات سوريا الديمقراطية. ورغم كل هذه الصعوبات، لم تتخذ الجهات الرسمية أي إجراءات فعالة حتى الآن، واكتفى بعض المسؤولين بمحاولات فردية لفتح فرع صغير لجامعة حلب في المنطقة، وهو حل محدود لا يلبي طموحات الطلاب ولا يضمن لهم متابعة تعليمهم بشكل آمن ومستمر.
يطالب الطلاب وأهاليهم الجهات الرسمية ووزارة التربية والتعليم بفتح فروع جامعية في تل أبيض ورأس العين تحت إشراف الوزارة، إضافة إلى إدراج منطقتهم ضمن قوائم المفاضلات الجامعية، وتوسيع التخصصات لتشمل الحقوق والعلوم السياسية والإعلام إلى جانب التخصصات التقنية القائمة. كما يقترح الأهالي تأمين طرق آمنة للطلاب الراغبين في الانتقال لمتابعة تعليمهم، وفتح مراكز تسجيل داخل المنطقة لتسهيل الوصول للتعليم الجامعي.
ويشير اتحاد الطلبة المحلي إلى أنهم يحاولون تقديم الدعم للطلاب بجهود فردية لكن دون تعاون رسمي من الجهات الحكومية أو المنظمات المحلية. ويعتبر المجتمع المحلي أن التعليم حق مشروع لكل الطلاب، مطالبًا بحقهم في المساواة التعليمية مع باقي المحافظات السورية. ويؤكد الأهالي أن أي خطوات من هذا النوع ستساهم في إنقاذ مستقبل الطلاب وتمكينهم من متابعة تعليمهم دون المخاطرة بحياتهم أو مستقبلهم الأكاديمي والمعيشي.
خطر مستقبلي يهدد جيلًا كاملًا
في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة، فإن مستقبل الطلاب في نبع السلام ” تل أبيض -رأس العين – سلوك ” سيكون مهددًا بشكل حقيقي. سنوات الحرمان من التعليم الجامعي قد تؤدي إلى توقف مهارات الطلاب العلمية والمعرفية، مما يحد من فرصهم في الحصول على وظائف مستقبلية ويجعلهم عرضة للفقر والبطالة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار هذه الأزمة يزيد من شعور الإحباط واليأس بين الشباب، ويعرضهم لمخاطر اجتماعية ونفسية كبيرة، كما قد يدفع البعض للهجرة غير الشرعية بحثًا عن فرص تعليمية أو عمل، مما يفاقم أزمة المنطقة على المدى الطويل.
ويختم الطلاب مناشدتهم بالقول: “التعليم حق مشروع لنا جميعًا، ونطالب الجهات الرسمية والجامعات بفتح المجال أمامنا مثل باقي طلاب سوريا دون حرمان أو تمييز.” ويؤكد الأهالي أن أي خطوات من هذا النوع ستساهم في حماية مستقبل الطلاب وتمكينهم من متابعة تعليمهم الأكاديمي دون المخاطرة بحياتهم أو مستقبلهم المعيشي.