الهدنة تدخل حيز التنفيذ… الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة

محمد الحمود البليبل

دخلت الهدنة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية حيز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم، في خطوة وُصفت بأنها الأهم منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، التي خلفت دمارًا واسعًا وضغوطًا سياسية غير مسبوقة على حكومة الاحتلال.
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن الخطوات الأولى للاتفاق تشمل مصادقة الكنيست الإسرائيلي عليه عند الرابعة عصرًا، يليها إعلان خريطة الانسحاب ضمن المرحلة الأولى، ونشر قوائم الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، على أن يبدأ الانسحاب الميداني خلال ساعات الليل، وفقًا للحدود التي حددتها خطة ترامب الجديدة.

انسحاب تدريجي وتبادل للأسرى بإشراف مصري–قطري–تركي

من المقرر أن يستمر الانسحاب الإسرائيلي يومي الجمعة والسبت، فيما تبدأ المقاومة الفلسطينية يوم السبت إعداد الأسرى الإسرائيليين الأحياء لتسليمهم، إلى جانب جثامين القتلى، في إطار صفقة تبادل تُشرف عليها مصر وقطر وتركيا.

أما يوم الأحد فسيحمل مشهدًا رمزيًا لافتًا، إذ من المقرر بحسب تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن يزور القاهرة لتوقيع الاتفاق رسميًا وإعلان نهاية الحرب، قبل أن يتوجه إلى إسرائيل لإلقاء خطاب أمام الكنيست.

وبدايًة من يوم الاثنين، يبدأ تسليم الأسرى من الجانبين تحت إشراف مباشر من الوسطاء، بالتوازي مع انسحاب القوات الإسرائيلية من المعابر وفتحها أمام المساعدات الإنسانية بمعدل أربعمائة شاحنة يوميًا قابلة للزيادة، ما يعني عمليًا انتهاء نحو تسعين في المئة من أسباب الحرب التي أنهكت القطاع والعالم بأسره.

المرحلة الثانية: صراع السياسة بعد صمت المدافع

المرحلة المقبلة من الاتفاق تُعد الأكثر حساسية، إذ تتناول مستقبل الحكم في قطاع غزة ودور المقاومة فيه.
فبحسب تسريبات من شبكة CNBC، فإن اتفاق ترامب الكامل يتكون من عشرين بندًا تشمل خططًا لإعادة الإعمار، وإطلاق سراح الرهائن، ونزع سلاح حركة حماس.
لكن وكالة رويترز نقلت عن مصادر فلسطينية أن المقاومة رفضت بند نزع السلاح رغم ضغوط من بعض الدول الخليجية، بدعم واضح من القاهرة التي تمسكت بموقفها الرافض لأي خطوة تُضعف المقاومة. وقد تم تجميد هذا البند مؤقتًا، على أن يُبحث مستقبل السلاح في مرحلة لاحقة تحت إشراف السلطة الفلسطينية في حال تسلمت إدارة القطاع.

من يدير القطاع بين مجلس السلام والحكومة التكنوقراطية

تنص الخطة الأمريكية على إنشاء ما يُعرف بـ«مجلس السلام»، يضم مشرفين من دول عربية برئاسة شرفية لترامب، وإدارة تنفيذية يتولاها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.

إلا أن المقاومة رفضت هذا المقترح بشكل قاطع، مؤكدة أنها لن تتخلى عن إدارة غزة إلا لحكومة فلسطينية تكنوقراطية بإشراف السلطة الفلسطينية ودعم عربي وإسلامي.

وقد حظي هذا الموقف بدعم مصري واسع، وأصبح وفق مصادر مطلعة الصيغة الأقرب للتنفيذ بنسبة تقارب تسعًة وتسعين في المئة.

الرؤية المصرية تتقدم ونتنياهو في مأزق سياسي

عمليًا، ما يجري تنفيذه حاليًا هو الرؤية المصرية لوقف الحرب، القائمة على تشكيل حكومة فلسطينية مستقلة تدير القطاع، تمهيدًا لخطوات تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

لكن هذا المسار يضع حكومة الاحتلال في موقف حرج داخليًا، إذ يظهر بنيامين نتنياهو أمام الرأي العام الإسرائيلي بصورة المهزوم، لم يتمكن من القضاء على المقاومة، ولا استعاد الأسرى إلا عبر التفاوض، كما فشل في فرض مخطط التهجير نحو سيناء.

ويرى مراقبون أن مستقبل نتنياهو السياسي بات على المحك، في ظل مخاوف من لجوئه إلى تصعيد جديد ربما مع إيران للهروب من أزماته الداخلية وضمان بقائه في الحكم، إذ يُرجح أنه سيواجه المحاكمة فور خروجه من السلطة.

ختام مرحلة وبداية أمل

رغم كل التعقيدات، تُعد هذه الهدنة خطوة كبرى نحو إنهاء واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ غزة.

صمود الفلسطينيين وتضحياتهم أعادا العالم إلى طاولة السياسة بعد أن سئم صوت المدافع، وأثبتا أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا.

وبينما تُطوى صفحة الحرب تدريجيًا، يبقى الأمل أن تكون هذه بدايةً لسلامٍ عادل يُعيد للفلسطينيين حقهم في الحياة والكرامة، ويمهّد الطريق لقيام دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.

شارك