المبادرة الخليجية: هل تعيد قطر والسعودية الروح لمؤسسات الدولة السورية؟
الكاتب : حسن رملان
في خطوة مفاجئة لاقت صدى واسعًا، أعلنت كل من قطر والسعودية في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2025 عن مبادرة مشتركة بقيمة 89 مليون دولار، موجهة لدعم استمرار الخدمات العامة في سوريا عبر دفع رواتب موظفي الدولة لمدة ثلاثة أشهر، وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). المبادرة التي جاءت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فتحت باباً واسعاً للتأويلات حول أهدافها وأبعادها، في ظل المشهد السوري المأزوم اقتصاديًا وسياسيًا.
أبعاد إنسانية وسياسية متداخلة
تعيش سوريا منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة انعكست بشكل مباشر على القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة، حتى بات خطر الشلل يهدد مؤسسات الدولة. من هذه الزاوية، يمكن النظر إلى المبادرة الخليجية كاستجابة إنسانية عاجلة لتخفيف المعاناة ومنع الانهيار الكامل للخدمات العامة. لكنها، في الوقت ذاته، تحمل دلالات سياسية لا يمكن تجاهلها، إذ تمثل محاولة لإعادة التموضع العربي في الملف السوري بعد سنوات من التردد والقطيعة، وخصوصًا أن قطر والسعودية تسعيان لتقديم نفسيهما كقوة إقليمية قادرة على التأثير في مستقبل سوريا، بعيداً عن الاحتكار الإيراني والروسي. كما أن لهذه الخطوة بعدًا آخر يتمثل في إرسال رسالة للغرب مفادها أن دول الخليج ليست مجرد ممول تقليدي، بل شريك سياسي وإنساني في أي تسوية محتملة.
بين الاختبار والتحديات
غم الطابع اللافت للمبادرة، فإنها لا تخلو من إشكاليات. فهي محدودة زمنيًا ومحصورة بثلاثة أشهر، ما يجعلها أقرب إلى حل إسعافي لا يعالج جذور الأزمة. كما أن مسألة الشفافية تبقى مطروحة، خاصة فيما يتعلق بكيفية إيصال الأموال وضمان وصولها فعلياً إلى الموظفين بعيدًا عن شبكات الفساد. يضاف إلى ذلك المخاوف من تسييس الدعم، بحيث يتحول إلى أداة ضغط سياسي أكثر من كونه استجابة إنسانية بحتة. في المحصلة، تشكل المبادرة الخليجية اختبارًا أوليًا لإمكانية عودة الدور العربي إلى قلب المشهد السوري. فإما أن تكون بداية لمسار أوسع من التعاون العربي يعيد شيئًا من التوازن إلى سوريا، أو تبقى مجرد مبادرة عابرة، لا تغير من الواقع المأزوم شيئًا. المستقبل وحده سيكشف إن كانت هذه الخطوة ستفتح الطريق نحو شراكة عربية حقيقية في إعادة بناء سوريا، أم ستذوب في زحمة التحركات الدبلوماسية المتسارعة.