ألمانيا بين الأمن والاندماج: سياسات ترحيل السوريين والمقارنة الأوروبية
الكاتب : حسن رملان
أعلن وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبرينت، عن خطط بلاده للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية المؤقتة بشأن ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين من ألمانيا. وفي تصريح لصحيفة راينيشه بوست قال دوبرينت:
“نريد التوصل إلى اتفاق مع سوريا هذا العام لنبدأ أولاً بترحيل المجرمين، ثم من لم يحصلوا على حق الإقامة”.

ترحيل المجرمين والمرفوضين.. خطوة جديدة في سياسات اللجوء الألمانية
ليس ملف ترحيل السوريين جديدًا في ألمانيا، بل يعود إلى أكثر من عقد، منذ بداية الثورة السورية عام 2011. ففي 2018 صرح وزير الداخلية هورست زيهوفر بإمكانية ترحيل السوريين المصنفين كمجرمين خطرين، وأعاد في 2020 التشديد على ضرورة ترحيل مرتكبي الجرائم. أما في 2024، وبعد هجوم مانهايم، شدد المستشار أولاف شولتس على أولوية ترحيل المجرمين الخطرين. هذا التسلسل يعكس مسارًا متصاعدًا من التصريحات إلى سياسات عملية، تؤكد التوجه الألماني نحو تمييز صارم بين اللاجئين المندمجين والمخاطر الأمنية المحتملة.
وبحسب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، فإن الترحيل سيقتصر على الفئات المصنفة خطرًا أمنيًا أو مرتكبة للجرائم، مع التأكيد على أن أي اتفاق محتمل مع الجانب السوري سيحتاج إلى ترتيبات لوجستية ووقت كافٍ لتطبيقه. أما الأشخاص الذين رفضت طلبات لجوئهم، فيمكنهم استنفاذ حقهم في الطعن، ولا يشمل الترحيل من هم في طور معالجة طلباتهم.
كما أكد دوبرينت على ضرورة التمييز بين المندمجين في المجتمع الألماني، سواء من يعملون أو يدرسون أو لديهم تدريب مهني، وبين الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الاجتماعية. واعتبر أن ترحيل المجرمين أمر ضروري للحفاظ على صورة واندماج اللاجئين السوريين الملتزمين بالقوانين.
تشير البيانات الرسمية إلى أن أكثر من 1800 شخص عادوا طوعًا إلى سوريا منذ آب/أغسطس 2025، بمساندة حكومية ألمانية، وهو ما يعكس اعتماد ألمانيا على برامج العودة الطوعية كمرحلة تحضيرية قبل أي عملية ترحيل إلزامية. ومنذ عام 2012 لم تنفذ ألمانيا أي عملية ترحيل قسري إلى سوريا، ما يعكس الحذر في تطبيق هذه السياسة.
وفي السياق نفسه، أعلن دوبرينت عن خطط لإجراء عمليات ترحيل إلى أفغانستان دون الحاجة إلى وسيط، نظرًا لغياب العلاقات الرسمية مع كابل بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، لا سيما بعد سيطرة طالبان على أفغانستان عام 2021. وقد تم ترحيل رحلتين إلى أفغانستان بتنسيق ودعم قطري، ما يبرز النهج المنظم لألمانيا في ملف الترحيل.
مقارنة بالسياسات الأوروبية الأخرى، يبدو أن ألمانيا تتبنى مسارًا وسطيًا بين الصرامة والمرونة. ففي حين تتجه دول مثل السويد وبلجيكا إلى تقديم الحماية الموسعة للاجئين السوريين حتى مع رفض طلباتهم أحيانًا، تعتمد ألمانيا على سياسة مزدوجة: الترحيل للفئات المجرمة أو الخطرة أمنيًا، مع الحفاظ على حقوق الأفراد المندمجين اجتماعيًا واقتصاديًا. أما فرنسا، فتتمسك بإجراءات صارمة للترحيل لكنها تواجه صعوبات لوجستية وسياسية، بينما تسعى دول مثل هولندا والنمسا إلى اتباع نهج “انتقائي” مشابه لألمانيا، مع التركيز على عودة المجرمين والأفراد الذين انتهت صلاحية طلباتهم.
من منظور تحليلي، يمكن القول إن ألمانيا تسعى إلى إعادة تعريف إدارة ملف اللاجئين السوريين بما يوازن بين الأمن الداخلي وحقوق اللاجئين المندمجين، وهو تحول واضح منذ 2011. كما يوضح المقارنة مع بقية الدول الأوروبية أن برلين تحاول استثمار برامج العودة الطوعية والتمييز بين الفئات لتقليل الاحتكاكات الاجتماعية والسياسية، مع الاستعداد لتطبيق الترحيل القسري بشكل محدود ومدروس.