مخلوعون في المنفى، جنرالات سابقون يخططون سراً لاستعادة النفوذ في سوريا

يكشف تحقيق خاص لصحيفة «نيويورك تايمز» — استند إلى مراسلات تم اعتراضها وتحليل لبيانات واتصالات رقمية — كيف يعمل قادة عسكريون وأمنيون سابقون في نظام بشار الأسد على بناء شبكات دعم مسلح وسياسي من الخارج، في محاولة لاستعادة نفوذهم داخل البلاد، مع امتداد بعض تحركاتهم إلى الساحة الدولية، بما في ذلك واشنطن.

كان هؤلاء الرجال من كبار ضباط الاستخبارات والجيش في عهد الأسد، وقد أمضوا أكثر من عقد في إدارة حملات قمع عنيفة ضد الانتفاضة الشعبية. وبعد عام على خروجهم من سوريا عقب انهيار النظام، تشير الأدلة التي اطلعت عليها الصحيفة إلى أنهم يعملون الآن على تقويض الحكومة الجديدة التي أطاحت بهم، بل وربما السعي لإعادة السيطرة على أجزاء من البلاد.

ورغم أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت تحركاتهم تمثل تهديداً فعلياً للسلطات الحالية — في ظل الخلافات المتكررة بينهم — إلا أن المقابلات والمراسلات المسربة تظهر أنهم جادّون في محاولة استعادة حضورهم داخل المشهد السوري، في بلد ما يزال يعيش حالة هشّة بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب.

يحاول بعض هؤلاء القادة تنظيم شبكات مسلحة انطلاقاً من المنفى، في حين يدعم آخرون أنشطة سياسية وإعلامية تستهدف التأثير على الرأي العام والمؤسسات الدولية. ويأمل بعضهم بشكل خاص في تعزيز نفوذهم داخل الساحل السوري، الذي يشكّل قاعدة تقليدية لعدد من الضباط المنحدرين من الطائفة العلوية.

وقال غياث دلا، 54 عاماً، وهو قائد سابق رفيع في الفرقة الرابعة التي كانت تُعد من أكثر تشكيلات الجيش السوري إثارة للرعب:
«لن نبدأ قبل أن نكون مسلّحين بالكامل»، وذلك في مكالمة هاتفية من لبنان في أبريل، جرى اعتراضها من دون علمه.

وكانت هذه المكالمة واحدة من عشرات الاتصالات والمحادثات النصية والجماعية التي شاركتها مجموعة من الناشطين السوريين مع الصحيفة، وقالوا إنهم اخترقوا هواتف مسؤولين بارزين في النظام قبل سقوطه، واستمروا في مراقبتهم لاحقاً.

وقامت «نيويورك تايمز» بمراجعة هذه المواد والتحقق من تفاصيلها عبر مسؤولين مطّلعين وأشخاص على تواصل مع أطراف مرتبطة بتلك الشبكات. وقدّم الناشطون عيّنة محدودة من المحتوى، مشترطين عدم الكشف عن هويتهم حفاظاً على قدرتهم على الاستمرار في المتابعة.

ومن بين الأسماء الأكثر بروزاً في هذه التحركات:
سُهيل الحسن، القائد السابق للقوات الخاصة، وكمال الحسن، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، وكلاهما يخضع لعقوبات دولية مرتبطة بانتهاكات موثقة خلال سنوات الحرب.

وتُظهر المراسلات والمقابلات أن الرجلين عملا على توزيع الأموال، وتجنيد مقاتلين، وتأمين أسلحة في بعض الحالات، إلى جانب تنسيق لقاءات عبر شبكات داخل سوريا وخارجها. وبرغم وجودهما في المنفى بعد مغادرتهما إلى موسكو عام 2024، إلا أن الرسائل تشير إلى أنهما تمكّنا من التحرك بين عدة دول، بما في ذلك لبنان والعراق، وحتى داخل الأراضي السورية.

وقال معارف مقرّبون من جهودهم إنهما يسعيان لاستقطاب عناصر من داخل المجتمع العلوي، حيث توجد أعداد كبيرة من الجنود السابقين وحالة تذمّر اجتماعي متراكمة، غير أن حجم التأييد الفعلي لتلك الدعوات ما يزال غير واضح.

«المحارب المقدّس»

تشير أقدم المراسلات المسربة إلى أبريل 2025، حيث لاحظ القائمون على الاختراق زيادة مفاجئة في نشاط بعض الأطراف المرتبطة بهذه الشبكات. وجاء ذلك عقب موجة من العنف الطائفي في الساحل السوري، قُتل خلالها عدد كبير من المدنيين، معظمهم من العلويين، عقب هجوم منسّق استهدف قوات تابعة للحكومة الجديدة، وأسفر أيضاً عن مقتل جنود.

وقد تحوّلت تلك الأحداث إلى نقطة تعبئة لدى مسؤولين سابقين سعوا لاستقطاب مقاتلين من الطائفة العلوية، في ظل شعور بالخطر الوجودي وتراجع الثقة بالمشهد السياسي الجديد.

الفرقة الرابعة

وكان سُهيل الحسن من أكثر الشخصيات نشاطًا…
وكان أنصاره يطلقون عليه لقب «النمر» …
وكان معروفًا لدى أوساط المعارضة السورية باتباعه تكتيكات الأرض المحروقة…
ويُتهم بإصدار أوامر بتنفيذ غارات جوية استهدفت مدنيين…
ولطالما كان الحسن من المفضلين لدى الروس…
وكان من أوائل المسؤولين الذين سعت موسكو إلى إجلائهم مع بدء انهيار النظام…

وتُظهر مراسلات لاحقة أن الحسن كان يعمل على تنظيم شبكة دعم مسلح في الساحل، وتبادل خططاً تقديرية لأعداد مقاتلين محتملين ونوعية الأسلحة المتوافرة، مع الإشارة إلى أن تلك الأرقام وردت ضمن وثائق داخلية ولم يتم التحقق منها بشكل مستقل.

كما ظهر في الرسائل دور لغـياث دلا، الذي قال إنه أشرف على توزيع مبالغ مالية شهرية على قادة ومجندين محتملين، وطرح خططاً لشراء معدات اتصالات وتأمين قنوات لتهريب السلاح عبر وسطاء في لبنان والعراق، بينما تشير مراسلات أخرى إلى أن بعض هذه الخطط توقفت لاحقاً أو واجهت خلافات داخلية.

وفي مرحلة لاحقة، حاولت الشبكة استقطاب ضباط سابقين في سلاح الجو، بينهم محمد الحاصوري، وفق ما أظهرته الرسائل، غير أن هذه المحاولة لم تكتمل، وبدا أن الشبكة الأوسع بدأت بالتفكك مع نهاية العام.

شبكة نفوذ خارجية بدل التمرد العسكري

أما كمال الحسن — وفق شهادات أشخاص عملوا معه — فقد ركّز بشكل أكبر على بناء قنوات نفوذ سياسية واجتماعية، وليس على إطلاق تمرد مسلح مباشر. وقد ارتبط اسمه بمؤسسة تعمل من بيروت وتقدم نفسها بوصفها جهة اجتماعية داعمة للاجئين العلويين، في حين يقول منسوبون للمؤسسة إنها تسعى للضغط من أجل ترتيبات سياسية خاصة في مناطق الساحل.

وتشير إفصاحات قانونية في الولايات المتحدة إلى أن المؤسسة تعاقدت مع شركة ضغط سياسي أميركية بموجب عقد كبير القيمة، حيث جرى تنظيم لقاءات مع مكاتب عدد من المشرعين الأميركيين، بينما أكدت مساعدات برلمانية أن تلك اللقاءات كانت روتينية ومقتصرة على فرق الموظفين.

وقال دبلوماسيون يتابعون الملف إن هذه الأنشطة السياسية قد تحمل تأثيراً بعيد المدى أكثر من المحاولات العسكرية المحدودة، إذ قد تؤسس تدريجياً لخطاب يسعى إلى تعزيز مطالب بحكم محلي أو ترتيبات سياسية خاصة في المستقبل، وإن كان ذلك غير مطروح واقعياً في الوقت الراهن.

وأضاف أحد الدبلوماسيين السوريين السابقين: «قد لا يجد هذا الطرح قبولاً اليوم، لكن في حال تعثّر الاستقرار خلال السنوات المقبلة، قد تبدأ أطراف دولية في النظر إلى بدائل أخرى داخل المشهد السوري».