الرقة التي لا تُرى: شهادة تكشف الواقع القاسي خلف الصور اللامعة
الكاتب أحمد السخني
من يمر في شوارع الرقة اليوم قد يظن للوهلة الأولى أن المدينة استعادت عافيتها.
واجهات المحال مفتوحة، وأصوات الأطفال تسمع من بعيد. لكن من يقترب أكثر، يدرك أن كل ما يراه ليس سوى قشرة رقيقة تخفي تحتها وجعاً كبيراً.
يقول أحد أبناء المدينة لمنصّة سورية:
ذهبت وشاهدت الرقة، ووجدت وضعها ليس فقط صفراً بل تحت الصفر. الجهل هناك غير طبيعي، والشوارع مليئة بالسلاح، سواء كان ظاهراً أو مخفياً. أما التعليم، فالوضع مأساوي. من يملك المال يُدخل أبناءه إلى معاهد خاصة، بينما الآخرون يُجبرون أطفالهم على العمل وهم دون العاشرة.
ثم يصمت قليلاً قبل أن يتابع:
“الكهرباء شبه معدومة. نعتمد على مولدات غالية، تعمل بضع ساعات في اليوم، وغالباً ما تتوقف فجأة. الحياة صعبة، وخاصة للفقراء.”
وراء هذه الكلمات تختبئ حكايات كثيرة تشبه بعضها.
فالمدينة التي كانت يوماً مركزاً اقتصادياً على ضفاف الفرات، ما تزال حتى اليوم تئنّ تحت الركام.
البيوت المهدّمة نصفها، الشوارع المليئة بالحفر، والمياه التي لا تصل بانتظام — كلها تفاصيل صغيرة لكنها تُرهق حياة الناس يوماً بعد يوم.
وأضاف أحد المدرسين في الرقة يقول للمنصة:
“المدارس تفتح أبوابها، نعم، لكن بأي حال؟ مقاعد مكسّرة، صفوف مكتظة، ومعلمين بلا رواتب منتظمة. ومع ذلك، ما زال في العيون رغبة بالتعلّم، وكأن الناس تتشبث بأي أمل.”
من جهة أخرى، يحاول السكان المحليون إطلاق مبادرات صغيرة: تنظيف شارع هنا، إصلاح حديقة هناك، أو جمع تبرعات لترميم صفّ مدرسي.
لكنّ كل هذه الجهود الفردية تصطدم بواقع أكبر منهم.
يقول أحدهم:
“نحاول نعمل شي بسيط. بس بدون دعم رسمي أو أمان فعلي، كل شي ممكن ينهار بأي لحظة.”
بدنا كهرباء، مي، ومدرسة لأولادنا. والباقي نقدر نتحمله
ما يزيد من قسوة المشهد هو انتشار السلاح بشكل غير مسبوق.
خلاف بسيط بين جارين يمكن أن يتحوّل إلى اشتباك مسلّح.
الناس، كما يصفهم أحد السكان، “عايشين على أعصابهم”، لا يثقون بأحد، ولا يعرفون متى تنفجر المشكلة التالية.
ورغم هذا كله، ما زال هناك من يزرع وردة أمام بيته، أو يرسم على جدار مدرسة محطّمة.
ربما لأنهم يؤمنون أن الرقة، رغم كل شيء، تستحق الحياة.
“ما بدنا شي كبير، بدنا كهرباء، مي، ومدرسة لأولادنا. والباقي نقدر نتحمله” يقول رجل خمسيني بنبرة تعبٍ ممزوجة بالأمل.
الرقة هي حكاية تنتظر من يرويها
الرقة اليوم ليست تلك التي تُرى في الصور الرسمية أو تقارير الإعمار.
إنها مدينة تُكابر لتعيش، مدينة تُخفي وجعها خلف ابتسامة باهتة.
وربما، في كل زاوية منها، هناك حكاية تنتظر من يرويها.
سلسلة “الرقة بعد الحرب”
هذا التقرير جزء من سلسلة “الرقة بعد الحرب” التي توثّق شهادات من داخل المدينة حول الواقع الاجتماعي والمعيشي في ظل حكم سلطة الأمر الواقع ” قسد”






