هل اكتملت الفرحات حقا أم أن في القلب ما يجعل البكاء شريكا للابتسامة؟

فريق التحرير

منذ اللحظة الأولى لسقوط الأسد بدا وكأن السماء فتحت نافذتها للسوريين كي يتنفسوا هواء جديدا، هواء لا يشبه ذلك الذي استنشقوه تحت سلطة الخوف والإذلال. كانت الفرحة طاغية، حقيقية، هادرة، كأن شعبا كاملا نهض من ركام نصف قرن وقال لنفسه أخيرا: لقد عدنا إلى الحياة.

سؤال ما بعد النشوة

ولكن، ما إن تهدأ نشوة الانتصار حتى يظهر في أعماق الروح سؤال موجع، سؤال يخجل السوري من التصريح به أحيانا لكنه ينهشه كل يوم:
هل اكتملت الفرحة حقا؟ أم أن جزءا من الأرض ما يزال معلقا بين زمنين، بين سقوط طاغية وبقاء ممارسات طغيان آخر؟

الجزيرة السورية... قلب الموارد وذاكرة النهرين

فالجزيرة السورية، تلك الرقعة التي كانت دائما قلب الموارد وراية التنوع وذاكرة النهرين، لا تزال اليوم تحت سلطة قوات تتصرف، في كثير من المواقف، بروح تشبه روح النظام الذي سقط.
تغيرت الأسماء، وتبدلت الشعارات، لكن أسلوب التحكم واحد، ومنطق القوة هو نفسه الذي جرح السوريين لعقود.
حواجز لا تختلف كثيرا، قرارات لا تخضع لرقابة شعبية، وإدارة تتعامل مع المجتمع بمعايير فوقية، كأن أهل الأرض مجرد تفصيل داخل مشهد أكبر منهم.

مفارقة الفرح والبكاء

يا للمفارقة. يحتفل السوريون بسقوط الطاغية، لكنهم يشعرون في الوقت نفسه أن جذور الطغيان لم تقتلع بعد.
كأن البلاد حررت نصف قلبها وبقي النصف الآخر يرف تحت ظل ثقيل، لا يريد أن يرحل.

وهنا يولد ذلك الشعور الغريب، الفرح المبكي.
فرح لأن يوما تاريخيا تحقق، وبكاء لأن المشهد لا يكتمل.
لأن الحرية لا تتجزأ، ولا يمكن لوطن أن ينهض بجناح واحد.
ولأن النصر الحقيقي ليس سقوط شخص، بل سقوط فكرة الاستبداد نفسها، أينما كانت ولدى أي طرف جاءت.

مطلب السوريين الحقيقي

السوري الذي حمل قضيته عبر سنوات الدم لا يطلب معجزات، ولا يريد إعادة اختراع المعنى.
يريد فقط أن يشعر بأن بلده واحد، وأن السلطة التي تحكم أي شبر من ترابه تستمد شرعيتها من الناس لا من البنادق.
يريد أن يعرف أن فرحته لم تكن وهما، وأن بكاءه ليس قدرا دائما.

بين دمعتين وابتسامة وطن

نحن اليوم بين دمعتين: دمعة خلاص، ودمعة خوف من أن يولد استبداد جديد في الظلال.
بين ابتسامة وطن بدأ رحلة التعافي، ووجع منطقة لا تزال تبحث عن موعدها مع الحرية الحقيقية.

نحو فرحة كاملة

فهل نملك الشجاعة لنقول إن الفرح لم يكتمل بعد؟ نعم.
وهل نملك الإرادة لنذهب بالأمل حتى نهايته؟ نعم، إذا قرر السوريون أن يكونوا أصحاب القرار في كل الأرض السورية، لا في جزء منها فقط.

هذه البلاد تستحق نهاية سعيدة لا تشوبها الممارسات الموروثة من زمن الأسد.
تستحق فرحة لا يزاحمها بكاء.
وتستحق أن يكون يوم سقوط الطغيان بداية لتحرير كامل، لا نصف رواية.