الرقة … قبضة لا ترى عربيًا ولا كرديًا:
طفل مُهان، ناشط مُعتقل، وشاب تُنهيه صورة واحدة
الكاتب – أحمد السخني
منذ ساعات الصباح الأولى، بدت الرقة وكأنها تدخل يومًا غريبًا عليها. حركة الناس شبه معدومة، والطرقات ممتدة بصمت ثقيل، فيما يفرض انتشار عسكري محكم لقوات قسد واقعًا جديدًا على المدينة. لا صوت لاحتفال، ولا أثر لمظاهر عيد النصر، فقط مدينة تتحرك بحذر داخل قبضة أمنية شديدة.
طفل يبيع الحلوى وسط صمت المدينة
في شارع مبلل بالمطر، وقف طفل يبيع الحلويات وقد جهز بضاعته كما لو أنه يستعد ليوم مزدحم بالفرح. ولكنه بقي واقفًا لساعات، يتحدى البرد والبلل دون أن يقترب أحد من بسطته.
وبدل أن يرى الازدحام، وجد المدينة فارغة إلا من العناصر الأمنية.
اقترب الطفل من أحد عناصر قسد، وتحدث معه باللغة الكردية التي ورثها عن والدين كرديين بالكامل. كان يظن أن الحديث بلغته سيجعل السؤال أبسط، والجواب أرحم، وأن قربه الثقافي سيمنحه شيئًا من التعاطف.
لكن الرد جاء بحدة واحدة، دون أي اعتبار للأصل أو اللغة:
“الفرح ليس لكم… لن تفرحوا قبل أن نفرح نحن بدولة. وكل من يعارض قسد فهو داعشي.”
عندها فقط اتضح للطفل أن قسد لا تميز بين عربي وكردي، وأن الانتماء القومي لا يشفع أمام قبضة القوة حين تُغلَق أبواب الاحتفال.
تجنيد قسري وتوسّع عسكري
في موازاة هذا المشهد، كانت المناشير تصل إلى أبواب العائلات الكردية، تطلب منهم إلحاق أبنائهم بالمؤسسات العسكرية.
كما بدأ تشكيل مجموعات من الشبان تحت مسمى “الحركة الثورية”، تم تجهيزهم بأسلحة خفيفة وجعب وسيارات مزودة بسلاح 23، ونشرهم داخل المدينة وخارجها.
عمليات التفتيش تحولت إلى جزء من يوميات الرقة:
تفتيش سيارات
فحص هواتف
إهانات علنية لكل من يُعثر في هاتفه على صورة علم أو رئيس
وفي إحدى هذه العمليات، فارق عبد الرحمن الصطيف من حي رميلة الحياة بعد تعرضه لضرب مبرح إثر العثور على صورة في هاتفه، أمام أعين المارة
لافتة وحيدة… واعتقال أسرع من القراءة
وسط الصمت المفروض، رفع الناشط المدني أحمد البوش لافتة كتب عليها:
“من حقنا نحتفل يا قسد”
لم تستمر لافتته إلا لحظات قبل أن يُعتقَل، في إشارة إلى أن أي محاولة لكسر الصمت تواجه الرد الفوري.

انتشار عسكري يطوّق المدينة
امتد الانتشار العسكري عبر أهم النقاط الحيوية في الرقة:
من دوار النعيم والدويرة والصوامع وكلية الآداب ودوار حزيمة ودوار الساعة ودوار أمن الدلة وصولًا إلى مشفى الطب الحديث والجسرين، لتصبح المدينة محاطة بأحزمة أمنية متصلة.
في دوار النعيم وحده، ظهرت ثلاث مصفحات وخمس عربات مسلحة، بينما اعتلى القناصة أسطح المباني، كأن المدينة تُراقَب من أعلاها وأسفلها في الوقت نفسه.
مدينة تبحث عن الفرح
الرقة اليوم تحت قبضة لا تفرق بين عربي وكردي؛
فطفل كردي يُوبخ بلغته، وناشط يُعتقل بسبب لافتة، وشاب يفقد حياته بسبب صورة، ومدينة بكاملها تُحاصر بالمصفحات والقناصة.
إنها مدينة تبحث عن لحظة فرح صغيرة، لكنها تجد أمامها جدارًا من الصمت والخوف والتشديد الأمني المتصاعد.






