الهوية المخطوفة: كيف يُعاد تشكيل ذاكرة الجزيرة العربية السورية
فريق التحرير
في مدن الجزيرة العربية السورية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تتصاعد مخاوف السكان من محاولة إعادة تشكيل هوية المنطقة بما يخدم رواية سياسية مرتبطة بـحزب العمال الكردستاني. فالمشهد العام بات مُحمَّلًا بأسماء جديدة ورموز مستحدثة تُقدَّم كأنها حقائق تاريخية، بينما تتعارض جذريًا مع ذاكرة المدن وسكانها الأصليين.
التسمية وبداية التغيير
تبدأ القصة من الإصرار على استخدام تسمية “روج آفا”، ثم تمتد إلى إعادة تسمية الدوارات والشوارع والميادين بطريقة تقطع الصلة بين المكان وتاريخه الحقيقي.
المدن ذات الأغلبية العربية مثل القامشلي تجد نفسها اليوم محاطة بتماثيل ونُصب حزبية، وأعلام صفراء تملأ الفضاء العام في تجاهل واضح للتراث العربي والسرياني العريق الذي شكّل هوية المنطقة عبر قرون.
الرموز والأيديولوجيا
إن وضع رموز أيديولوجية في قلب الميادين — مثل المجسّم الأخير على دوار طريق المطار — لا يُعدّ تزيينًا عمرانيًا بريئًا، بل إعلانًا لهيمنة سردية واحدة تحاول إعادة كتابة التاريخ وفق منظور سياسي ضيق.
فعندما تُستبدل الرموز المحلية بمعالم دخيلة، يصبح المكان ذاته خاضعًا لعملية “تأميم للهوية” تتجاهل التنوع الحقيقي للسكان.
ادعاء التمثيل وتناقض الواقع
والمفارقة الأكبر أن الجهات المسيطرة تدّعي تمثيل جميع المكوّنات، بينما تمارس في الواقع تفردًا كاملًا بكل التفاصيل والمسميات والرموز، الأمر الذي يجعل هذا الادعاء مجرد غطاء سياسي يخفي مشروعًا أحاديًّا لا يرى في المنطقة إلا هوية واحدة تُفرض على الجميع.
الذاكرة الجماعية المهددة
إن أخطر ما في هذا النهج هو فرض ذاكرة بديلة تُقدَّم على أنها الحقيقة الوحيدة، بينما يُدفع التاريخ الأصلي وأهله إلى الهامش.
فالتلاعب بالمسميات ليس أمرًا شكليًا؛ بل خطوة مقصودة لطمس الذاكرة الجماعية وإحلال سردية سياسية مكانها.
الدفاع عن الهوية الأصيلة
إن الدفاع عن الهوية الأصيلة لهذه المدن—بكل تنوعها العربي والسرياني والاجتماعي—ليس موقفًا سياسيًا، بل ضرورة لحماية النسيج المحلي من الذوبان داخل مشروع لا يمثّل إلا أصحابه.
فالمدن لا تُختزل براية، ولا تُعاد كتابتها بمجسّم عابر، بل تبقى وفية لذاكرتها المحفورة في أهلها، مهما حاولت السرديات المفروضة طمسها.






