بين المنهاج والهوية… طلاب الحسكة يواجهون مستقبلًا غامضًا
الكاتب : أحمد السخني
تعيش محافظات الحسكة ودير الزور والرقة أزمة تعليمية غير مسبوقة بسبب المناهج التي تفرضها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، ما وضع طلاب الحسكة أمام مستقبل غامض يهدد حقهم في التعليم والاعتراف بشهاداتهم رسميًا.
الواقع التعليمي في مناطق الإدارة الذاتية
تشهد مدارس شمال وشرق سوريا حالة من الانقسام التعليمي بعد فرض الإدارة الذاتية مناهج جديدة غير معترف بها رسميًا. وقد أبلغت “قسد” الكوادر التعليمية بعدم السماح بتدريس المنهاج السوري، ما أثار رفضًا واسعًا بين الأهالي والمعلمين الذين رأوا في هذه الخطوة تهديدًا مباشرًا لهوية أبنائهم وثقافتهم.
يقول أحد أولياء الأمور من القامشلي:
“نريد مناهج تحافظ على هوية أبنائنا، لا أن تفرض عليهم رموزًا وشخصيات غريبة عن مجتمعنا، مثل عبد الله أوجلان وعناصر حزب العمال الكردستاني.”
وتؤكد معلمة من ريف الحسكة أن المناهج الجديدة “تحمل مضامين أيديولوجية بعيدة عن التعليم الأكاديمي، وتركز على رموز سياسية بدلاً من المهارات العلمية والمعرفية.”
إغلاق المدارس وتصاعد الاحتجاجات
تحولت المناهج إلى أداة صراع سياسي، فرفضُ الكنائس والمدارس الخاصة اعتمادها أدى إلى إغلاق عدد من المؤسسات التعليمية، منها مدارس مار قرياقس والسلام وفارس الخوري، ما تسبب في حرمان آلاف الطلاب من التعليم لشهور طويلة.
يقول أحد الأهالي:
“طفلي لم يذهب إلى المدرسة منذ بداية العام الدراسي، بعد إغلاق المدرسة لرفضها تطبيق منهاج قسد، ونحن نخشى أن يضيع عام كامل من تعليمه.”
من جانبه، شدد المطران مار موريس عمسيح على ضرورة العودة إلى المنهاج السوري المعترف به رسميًا “حفاظًا على وحدة المجتمع ومستقبل الأجيال القادمة.”
تفاهمات جزئية ومحاولات للتقارب
بعد أشهر من المفاوضات بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية، تم التوصل إلى تفاهمات جزئية تسمح بإجراء الامتحانات العامة في مناطق شمال وشرق سوريا. كما أعلن مجلس الكنائس في الجزيرة والفرات عن اتفاق يقضي باستمرار مدارس الكنائس بتدريس منهاج وزارة التربية السورية خلال العام الدراسي 2025–2026، في خطوة اعتُبرت مكسبًا للأهالي والطلاب.
الأبعاد الإنسانية والسياسية للأزمة التعليمية
لا تقتصر الأزمة على الجانب التربوي فقط، بل تمتد لتشمل البعد الإنساني والاجتماعي والهووي. إذ يرى مراقبون أن حرمان الأطفال من التعليم المعترف به يشكل خطرًا على مستقبلهم ويعمق الانقسام داخل المجتمع السوري.
ويقول أحد المعلمين:
“الطلاب فقدوا الدافعية للتعلم لأنهم يشعرون أن هذه المناهج لا تمثلهم، ولا تعكس لغتهم أو ثقافتهم.”
تدعو منظمات حقوقية محلية ودولية إلى الضغط على السلطات التعليمية في شمال شرق سوريا لاعتماد مناهج وطنية معترف بها دوليًا، وضمان حق الأطفال في تعليم حيادي لا يخضع للصراعات السياسية.
بين المنهاج والهوية، يقف طلاب الحسكة اليوم على مفترق طرق. فغياب التوافق بين الأطراف المتحكمة بالمشهد التعليمي يهدد بفقدان جيل كامل فرصته في التعلم والنمو. ويبقى الأمل بأن تتحول هذه الأزمة إلى فرصة لإطلاق حوار وطني شامل حول مستقبل التعليم في سوريا، يحترم التنوع الثقافي ويحافظ على حق الأطفال في المعرفة والهوية.









