اتش بوز... العملة الجديدة في شوارع الرقة
الكاتب : أحمد السخني
نشر الناشط المدني عزت علي صفحته منشوراً يروي فيه حادثة سرقة منزله في مدينة الرقة
كتب يقول:
ما عندي لا مال ولا ذهب، سرقوا تلفزيون البيت، وبعدها عرفنا أن المبيوعة راحت لتاجر اشتراه مقابل غرامين من مادة اسمها اتش بوز
انتشر المنشور بسرعة بين الأهالي، ليس لأن السرقة بحد ذاتها غريبة، بل لأن التفاصيل كشفت عن واقع أخطر من الجريمة نفسها:
مدينة تُباع فيها المسروقات بجرعات مخدر، وتُستبدل فيها القيم بمادة الهيروين الصناعي.
منذ أن سيطرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على الرقة عام 2017، تعيش المدينة حالة من الفوضى الأمنية والاجتماعية.
وبعد أن هدأت أصوات الحرب، بدأت فوضى أخرى تتسلل بصمت إلى الأحياء؛ فوضى المخدرات، التي تمددت في الشوارع حتى أصبحت جزءًا من الحياة اليومية.
يقول أحد سكان حي المشلب:
“ما عاد في سرقة مصاري، الناس تسرق لتتعاطى. صار الإدمان هو العملة الجديدة في المدينة.”
تتطابق شهادات الأهالي حول انتشار مادة الاتش بوز في أحياء مثل الجزرة والرميلة والمشلب، حيث يتداولها مروّجون معروفون يتمتع بعضهم بحماية أو مصالح خاصة، بينما تقتصر الحملات الأمنية على الاستعراض، تطال المستخدمين فقط وتترك كبار المروجين خارج الحساب.
اقتصاد المخدرات
تتحدث مصادر محلية عن شبكات تهريب منظمة تجلب المواد المخدّرة عبر الحدود الشرقية، وتوزعها داخل المدينة بطرق معقدة ومدروسة.
تباع في عبوات صغيرة تُخبأ في المحلات أو السيارات، وتُتبادل حتى داخل المدارس والمقاهي.
يقول أحد أبناء الرقة:
“المشكلة مو بس بالإدمان، المشكلة إن الناس تعودت عليه وصارت تشوفه شي عادي. الفقر والبطالة وغياب المؤسسات كلها خلت المخدرات تصير جزءًا من الواقع.”
ضحايا بلا علاج
تشير تقديرات منظمات محلية إلى أن عدد المتعاطين ارتفع بشكل كبير خلال العامين الماضيين، خصوصًا بين فئة الشباب من عمر 17 إلى 30 عامًا.
كثير منهم فقدوا فرص التعليم والعمل، وبعضهم انزلق إلى الجريمة.
ولا توجد في المدينة مراكز متخصصة لعلاج الإدمان، ما يجعل الضحايا عالقين بين وصمة المجتمع وخطر الانتكاس.
تقول سيدة من الرقة:
“ابني بدأ يجرب من باب الفضول، واليوم ما يقدر يعيش بدون جرعة. حاولنا نطلعه من المدينة، بس ما في مكان يساعدنا.”
قانون بلا هيبة
السلطات المحلية التابعة لقسد تعلن بين فترة وأخرى عن حملات لمكافحة المخدرات، لكن السكان يشككون في جدواها.
يقول أحد العاملين في منظمة مدنية:
“يعتقلوا كم شخص، يصوروا الكمية المصادرة، وبعد أيام يطلقوا سراح الكل. الحملات شكلية، ما في محاسبة حقيقية.”
ومع غياب الردع، يعيش الناس بين خوف وصمت؛ خوف من المروجين، وصمت بسبب العار، لتتحول الجرائم الفردية إلى ظاهرة عامة لا يجرؤ أحد على مواجهتها.
الرقة… مدينة تُسرق مرتين
الرقة اليوم ليست كما كانت.
المدينة التي سُمّيت يوماً مدينة الإنسان، أصبحت تُعرف بأنها مدينة المخدرات.
تُسرق فيها البيوت كما تُسرق القيم، ويُباع فيها المستقبل بجرعة صغيرة من السم الأبيض.
قصة عزّت لم تكن سوى شرارة صغيرة، لكنها كشفت عن مأساة أكبر:
أن الرقة تُسرق مرتين، مرة من اللصوص، ومرة من الغياب.









