البرلمان بعد السقوط: هل يكون مجلس الشعب بوابة الدولة الجديدة أم واجهة للسلطة المؤقتة؟

الكاتبة : صفا عبد التركي

الأحد القادم ليس مجرد موعد انتخابي عادي؛ بل هو امتحان سياسي عسير لسلطةٍ مؤقتة تحاول أن تُثبت شرعيتها عبر صندوقٍ مقيد. فالمجلس المرتقب يأتي في ظل غياب سجل انتخابي مدني شامل، وبدون تحديثٍ حقيقي للبيانات السكانية التي شتتها النزوح والحرب. تقارير المراقبين الدوليين (بعثة مراقبة الشرق الأوسط – تقرير أيلول/سبتمبر 2025) أشارت بوضوح إلى أن “غياب سجل ناخبين وطني موحد يجعل أي عملية اقتراع عرضة للتشكيك في شرعيتها منذ البداية”.

هذا القلق تعزز أيضاً بتقارير ميدانية صدرت عن المرصد السوري للعدالة الانتقالية، التي نقلت شهادات لعدد من المرشحين المستبعدين بدعوى “عدم استيفاء المعايير الأمنية”، معتبرة أن ذلك “انتقائية سياسية في تطبيق القانون”.

التركيبة المعلنة للمجلس تفتح باب النقاش أكثر من باب الطمأنينة: ثلث المقاعد سيتم ملؤه عبر تعيين مباشر من قبل الرئاسة المؤقتة، فيما يُترك الباقي لآلية انتخابية غير مباشرة تعتمد على مجالس محلية ولجان تصويت.
هذا الشكل يضع السلطة التنفيذية عمليًا في موقع المتحكم بقرارات المجلس، ويجعل من أي معارضة جدية داخل البرلمان احتمالية ضعيفة.

إحدى الصحف المحلية لخصت هذه المعادلة بجملة مباشرة: “من يعين ثلث النواب، يعين ثلث القرار، ومن يملك الثلث يملك القدرة على كسر أي توازن داخلي”.

غياب تمثيل مناطق كاملة

المشهد لا يكتمل من دون الحديث عن المناطق التي غابت عن العملية الانتخابية. فمحافظات مثل الرقة وأجزاء واسعة من دير الزور لم تُدرج في الجولة الأولى بدعوى “عدم توفر الظروف الأمنية”. النتيجة هي أن المجلس يبدأ عمله بفراغ تمثيلي واضح، يُذكر بالبرلمانات الشكلية التي عاشت طويلًا تحت سقف الاستبداد.

وفي هذا الإطار، جاء تصريح الأستاذ عبد المحسن أبو علي، رئيس اللجنة الناخبة لمحافظة الرقة، عبر منصة سورية – syria platform، لتسليط الضوء على التحديات الميدانية والسياسية التي واجهت اللجنة. فقد وجه حديثه للثوار الأحرار والناشطين، مؤكدًا أنه يعلم رغبة الجميع في إجراء الانتخابات على تراب المحافظة، لكن الظروف السياسية والاستثنائية لم تسمح بذلك. وأضاف أن مراجعة الطعون أظهرت فجوة واضحة في التمثيل، خصوصًا لفئة الحقوقيين والنساء، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضعف شرعية المجلس إذا لم يُعالج.

سياسة تأجيل الانتخابات وإعادة ترميم الهيئة الناخبة تُظهر إدراك اللجنة للمخاطر السياسية المرتبطة بإجراء انتخابات غير ممثلة، خصوصًا في مناطق تشهد توترًا سياسيًا وأمنيًا. فالإجراء يعكس وعي الإدارة المؤقتة بأن أي برلمان جديد يجب أن يمتلك قاعدة تمثيلية حقيقية وقوة رمزية في صياغة القوانين والدستور، وإلا سيكون مجرد واجهة شكلية. كما شدد أبو علي على أهمية تمديد العملية، وفتح باب الطعون والدعاية الانتخابية وفق جدول زمني واضح، لضمان مشاركة عادلة وشفافة، في محاولة لتجاوز هشاشة التمثيل الحالي.

من الناحية السياسية، يُظهر هذا التصريح أن الهيئة الانتقالية تدرك أن التسرع في إجراء الانتخابات قد يؤدي إلى تراجع ثقة الشعب والمجتمع الدولي بالمجلس الجديد، ويؤكد أهمية التخطيط الدقيق لضمان تمثيل عادل وشرعية واسعة للمجلس المنتظر

الشباب بين الحضور والرهان

إحدى الإشارات الإيجابية التي لا يمكن تجاهلها هي دخول جيل من المرشحين من مواليد الثمانينات والتسعينات إلى المنافسة. هذا الحضور، الذي رصدته بعض المبادرات المدنية، يعكس رغبة واضحة في تجديد المشهد السياسي، لكن التحدي يبقى في تحويل هذا الحضور إلى قدرة فعلية على صياغة سياسات، لا الاكتفاء بديكور شبابي في قاعة البرلمان.

يقول أحد الباحثين: “إدخال الشباب في البرلمان لا يساوي شيئًا إن لم تترافق معه بنية حزبية وقانون انتخابي يسمح لهم بالتحرك كمجموعة مؤثرة، لا كأفراد معزولين داخل ماكينة قديمة”.

التأسيس الدستوري: الاختبار الأكبر

لا قيمة لأي مجلس ما لم يتجه مباشرة إلى صياغة دستورٍ جديد يتناسب مع الواقع السوري. هنا يتقاطع المطلب الشعبي مع الخوف السياسي: هل المجلس الجديد سيكون مجرد واجهة، أم هيئة تأسيسية فعلية؟

تقارير الأمم المتحدة في جنيف (جلسة 25 أيلول/سبتمبر) شددت على أن “الشرعية السياسية لأي برلمان مؤقت تُقاس بمدى قدرته على وضع أسس دستور دائم، وبتبنيه عملية شفافة تُشرك المجتمع المدني”.

الفرصة متاحة، لكن المآزق أوضح: بدون قاعدة بيانات سكانية دقيقة، وبدون إشراك الأطراف المهمشة، سيظل الدستور المنتظر حبرًا على ورق، وقابلًا للطعن حتى قبل أن يولد.

الانتخابات المقبلة ليست نهاية مرحلة، بل بداية اختبار. إما أن تتحول إلى محطة تأسيسية تعيد الاعتبار لفكرة الدولة ومؤسساتها وتكون الصوت لشعب منهك، أو تظل واجهة انتقالية تُعيد إنتاج الهشاشة السياسية تحت اسم “مجلس الشعب”.

المجلس الجديد يواجه خيارًا تاريخيًا: أن يكون مُشرع دستورٍ يقي البلاد من عودة الاستبداد، أو مجرد ختم على قرارات السلطة. والفيصل في النهاية لن يكون عدد المقاعد ولا قوائم التعيين، بل قدرة المجتمع المدني والشباب على تحويل الحماس إلى مؤسسات، والضغط على هذا المجلس ليتجاوز كونه قاعة تصفيق إلى كونه قاعة بناء دولة.

في ضوء تأجيل جزء من الانتخابات وبمعرفة الفجوات التمثيلية التي كشف عنها فحص الطعون، هل ستنجح العملية الانتخابية في البناء التدريجي لمؤسسات تمثيلية حقيقية تعكس تنوع المجتمع السوري، أم أن حدود التمثيل الحالية ستستمر في تشكيل سقف التوقعات للمجلس الجديد؟

شارك