ممر داوود: البوابة الإسرائيلية إلى السويداء أم ورقة تفاوض إقليمية؟

الكاتبة: صفا عبد التركي

تعثرت المفاوضات الأخيرة بين دمشق وتل أبيب بعدما طرح الجانب الإسرائيلي مطلبًا مفاجئًا بفتح «ممر إنساني» إلى السويداء. هذا الحادث، الذي قد يطاله البعض بالتحفظ بوصفه محطة تفاوضية عابرة، لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق إقليمي له جذور أعمق: استراتيجيات نفوذ، توازنات أمنية جديدة، وخيارات محلية مرهقة بفعل سنوات الصراع. ما يجعل القضية أكثر حساسية أن شعار الإنسانية الذي يرفعه من يطالب بالممر قابل لأن يُوظف بسهولة كغطاء لفرض أمر واقع جغرافي وسياسي.

ممر داوود، كما رُسم في النقاشات التحليلية، ليس مجرد طريق لإدخال مساعدات؛ إنه تصور جيوستراتيجي يهدف إلى خلق شريط نفوذ يمتد من الجولان المحتل عبر الجنوب السوري، وربما إلى ما وراءه. هذا التصور لا ينجح فقط بقوة السلاح، بل يحتاج لشرعية من نوع جديد يُقدم على شكل مسوغات إنسانية وأمنية. هنا يكمن الخطر: التحول التدريجي لما يُعرف بالإغاثة إلى آلية لتعزيز نفوذ إقليمي على حساب سيادة مركزية مهتزة.

وهنا يطرح السؤال: ممر إنساني أم مشروع استيطاني؟

ما يُسمى بـ«ممر داوود» ليس مبادرة إنسانية فحسب، بل هو تصور استراتيجي يتيح لإسرائيل ومن يدور في فلكها الوصول إلى عمق الجنوب السوري بوسيلة أقل كلفة من التدخل العسكري المباشر. خطورته أنه يتغذى على الفوضى والفراغ المحلي، حيث تصبح الأزمات الإنسانية مادة خصبة لتبرير فتح ممرات أو فرض ترتيبات أمنية. السويداء اليوم، بتوتراتها الطائفية وهشاشة وضعها الأمني، تمثل الحلقة الأضعف التي يمكن استغلالها لتمرير مثل هذه التصورات. وبقدر ما يُرفع شعار حماية الدروز أو تخفيف المعاناة، يظل البعد الاستراتيجي حاضرًا بقوة في خلفية الطرح.

وهنا تكمن قضية السيادة السورية بين المبدأ والواقع

رفض دمشق لهذا الطرح لم يكن مجرد تشبث رمزي؛ بل دفاع عن جوهر السيادة الوطنية. فتح ممر تحت إشراف خارجي يعني عمليًا إدخال طرف جديد إلى الجغرافيا السورية بغطاء إنساني، وهو ما يُقرأ كتمهيد لتغيير موازين السيطرة. ومع ذلك، يبقى هذا الرفض وحده غير كافٍ لحماية المدنيين أو لصون النسيج الاجتماعي. فغياب مؤسسات الدولة الفاعلة في بعض المناطق يخلق فراغًا لا يسده خطاب السيادة وحده، بل يحتاج إلى سياسات بديلة تضمن وصول المساعدات عبر آليات محايدة لا تستغل الوضع الإنساني كمدخل للهيمنة.

السويداء ساحة اختبار للإغاثة والسياسة

السويداء ليست مجرد ساحة محلية، بل مرآة لتقاطع الحسابات الإقليمية. إسرائيل تسعى لإقامة منطقة عازلة تخفف ما تصفه بالتهديدات الأمنية، إيران ترى في أي تغير جنوبي تهديدًا لمجال نفوذها، وروسيا تحاول إعادة ضبط التوازن دون السماح بانزلاق الجنوب إلى يد طرف واحد. وسط هذا التنازع، يجد المدنيون أنفسهم بين مطرقة الحاجة الإنسانية وسندان التجاذبات السياسية. لذلك يصبح السؤال المطروح: كيف يمكن ضمان أن تصل الإغاثة إلى السكان فعلًا، دون أن تتحول إلى وسيلة لإعادة تشكيل الجغرافيا والهوية؟

في النهاية، القضية تتجاوز مجرد ممر إغاثي؛ إنها اختبار لمدى قدرة السوريين ومعهم المجتمع الدولي على الموازنة بين السيادة والإنسانية، بين الأمن والإغاثة، وبين حسابات الأطراف الإقليمية وحقوق السكان المحليين. والسؤال الذي يظل معلقًا: هل ستبقى الممرات الإنسانية في السويداء وسيلة لإنقاذ المدنيين، أم ستتحول إلى أدوات لإعادة رسم الخرائط على حساب مستقبل سوريا؟ وهل سيقبل أهالي السويداء بما قبله بعضهم، أم أن الوطنية والرفض للتعامل مع كيان لا ميثاق له ولا شرعية ستظل أقوى من أي استغلال سياسي يهدف لتحقيق مصالح استيطانية على حساب مستقبل المنطقة؟

شارك