تل أبيض على حافة الجوع: أزمة الطحين تهدد نبع السلام بكارثة إنسانية

الكاتب أحمد السخني

تعيش منطقة نبع السلام “مدينتا تل أبيض وسلوك” أزمة إنسانية متفاقمة بعد توقف توريد مادة الطحين التي كانت تصل عبر المنظمات الإنسانية بما يقارب ثلاثين طنًا يوميًا. هذا النقص ألحق ضغوطًا كبيرة على الأهالي الذين يخشون توقف الأفران ونقص الخبز، ما يهدد حياة آلاف السكان الذين يعتمدون على الطحين في معيشتهم اليومية.

من الدعم إلى الانهيار

في عام 2020، ومع سيطرة تركيا على مدينة تل أبيض، بدأت منظمة “إفاد” التركية بتوريد مادة الطحين إلى المنطقة بكميات وصلت إلى نحو سبعة وعشرين طنًا يوميًا، وهو ما ساعد على استقرار نسبي في عمل الأفران وتأمين الخبز. لكن توقف هذا الدعم لاحقًا فاقم الأزمة بشكل واضح، وترك المجلس المحلي أمام تحديات كبيرة لتأمين البدائل.

كان المجلس المحلي يعتمد سابقًا على نظام الجباية من المزارعين لتأمين جزء من حاجات المنطقة من القمح والطحين. لكن مع توقف الأمطار وضعف الموسم الزراعي، انهارت هذه الآلية ولم تعد توفر أي مورد فعلي، ما أدى إلى فقدان المجلس المحلي جزءًا كبيرًا من ميزانيته وزاد من حدة الأزمة القائمة.

وفي عام 2025، وبعد تحرير سوريا، طرحت الحكومة السورية مبادرة لدعم الفلاحين من خلال شراء محصول القمح منهم بأسعار تنافسية بلغت 600 دولار للطن بدلًا من 800 دولار، وتخزين الكميات في صوامع تابعة للدولة. الهدف من ذلك كان حماية المزارعين من المضاربة والاحتكار وضمان وجود مخزون استراتيجي من القمح يمكن الاعتماد عليه لتأمين الطحين واستمرار عمل الأفران.

إلى جانب ذلك، يعاني سكان نبع السلام من حصار تفرضه قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة المحيطة، الأمر الذي يزيد الأوضاع تعقيدًا ويحول دون تدفق الإمدادات بسهولة، سواء كانت مواد غذائية أو مساعدات إنسانية، ما يضاعف من حجم الأزمة ويهدد الأمن الغذائي بشكل أكبر.

تفاقمت الأزمة بشكل خطير خلال الأيام الأخيرة، إذ توقفت أفران تل أبيض عن العمل منذ يومين بسبب نفاد مادة الطحين بالكامل، الأمر الذي ترك آلاف الأسر بلا خبز وأجبر الأهالي على البحث عن بدائل مكلفة ونادرة. ورغم هذه التطورات، لم يتلق المجلس المحلي أي رد رسمي من مديرية الحبوب بشأن طلب شراء القمح المدعوم وتوفيره للمدينة، ما يزيد من القلق ويجعل مستقبل الأمن الغذائي في المنطقة مهددًا.

الطحين شريان الحياة ونداء عاجل

في شوارع تل أبيض، يمكن رؤية الطوابير الطويلة أمام الأفران المغلقة، حيث يقف الأهالي لساعات أملًا في الحصول على ربطة خبز واحدة. الأطفال يرافقون ذويهم في انتظار لا ينتهي، بينما ترتفع أسعار الخبز بشكل جنوني في السوق السوداء، ليصبح الحصول عليه رفاهية لا يقدر عليها كثير من العائلات. بعض الأسر باتت تقتات على وجبات بسيطة من البرغل أو العدس، فيما يصف الأهالي الوضع بأنه الأسوأ منذ سنوات.

ويشير السكان إلى أن الطحين هو شريان الحياة الأول في نبع السلام. ويحذر الأهالي من أن أي تأخير في توفير القمح المدعوم ومعالجة هذا النقص قد يقود إلى كارثة إنسانية تشمل نقص الغذاء الأساسي وربما تضاعف معاناة آلاف الأسر.

وفي محاولة للتخفيف من الأزمة، يسعى المجلس المحلي إلى إدخال شحنات طحين مؤقتة لتغطية العجز، لكن الأسعار المرتفعة ما زالت تشكل عبئًا ثقيلًا على موارده المحدودة. ويطالب الأهالي الحكومة السورية بسرعة التحرك لتأمين الطحين والحفاظ على الاستقرار المعيشي، ومنع تحول الأزمة إلى مأساة إنسانية واسعة.