الولايات المتحدة تعيد رسم قواعد اللعبة في سوريا العقوبات الفردية تمنح الحكومة الانتقالية نفوذًا وشرعية دولية
الكاتبة : صفا التركي
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية اليوم عن تعديل شامل لـ “لوائح العقوبات المتعلقة بسوريا”، ليصبح اسمها الجديد “لوائح العقوبات لتعزيز المساءلة عن الأسد واستقرار المنطقة”، في خطوة تعكس التحولات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود حكومة انتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع. هذا التغيير في التسمية لا يحمل رمزية بسيطة، بل يشير إلى تحول في السياسة الأمريكية من معاقبة الدولة بأكملها إلى التركيز على المسؤولية الفردية للأشخاص المتورطين في الانتهاكات والجرائم، بما يعكس حرص واشنطن على التمييز بين الدولة كمؤسسة وبين أولئك الذين أساؤوا استخدامها خلال السنوات الماضية.
شهدت الأوامر التنفيذية تعديلات أساسية، أبرزها الأمر التنفيذي 14142 لعام 2025 الذي أزال أي إشارات إلى تركيا، والأمر التنفيذي 14312 الذي ألغى العقوبات العامة بعد التغيرات السياسية الإيجابية، مع الإبقاء على العقوبات ضد مرتكبي جرائم الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان ومهـ.ـربي الكبتاغون. أما الأمر التنفيذي 13606 الصادر عام 2012، فقد أعيد ربطه بحالة الطوارئ المعدلة لضمان استمرار استهداف من تورطوا في الانتهاكات عبر التكنولوجيا الحديثة. وفي خطوة رمزية وعملية، تم إنهاء حالة الطوارئ القديمة المرتبطة بسياسات نظام الأسد، وإزالة اللوائح السابقة من السجل الفدرالي، في تحول يعكس صراحة رغبة الإدارة الأمريكية في إعادة ضبط علاقتها مع الدولة السورية الجديدة.
التشريعات الجديدة والتداعيات السياسية
أعيد تصنيف بعض الأفراد والكيانات الذين أُلغيت عنهم العقوبات سابقًا، وفق ارتباطهم بجرائم أو انتهاكات محددة، مع اعتماد رموز جديدة تميز طبيعة العقوبات المفروضة، لتوضيح من يستهدف بالمساءلة الفردية ومن لا يستهدف. كما أدرجت اللوائح مجموعة من التشريعات لتعزيز الأساس القانوني للعقوبات، بما في ذلك قانون محاسبة حقوق الإنسان في سوريا 2012، وقانون قيصر لحماية المدنيين السوريين 2019، وقانون مكافحة تهـ.ـريب الكبتاغون 2023. تم تحديث قوائم الأشخاص المعاقبين ضمن لائحة SDN، مع إبقاء إمكانية فرض عقوبات ثانوية على أي جهة تتعامل معهم، ونصوص واضحة تحدد المسؤولية الجنائية لأي انتهاك متعمد.
سياسيًا، يعكس هذا التحول استراتيجية أمريكية مزدوجة؛ أولاً، تعزيز المساءلة الفردية بهدف قطع الطريق أمام أي محاولات لإعادة إنتاج شبكات الفساد والانتهاكات التي ميزت نظام الأسد، مع ترك مساحة للحكومة الانتقالية لتثبت جدارتها في الإدارة والمصالحة الداخلية. ثانيًا، يمثل تحرك واشنطن رسالة ضمنية للفاعلين الإقليميين والدوليين، مفادها أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن مراقبة التوازنات في سوريا، وستستمر في ممارسة الضغط على من يهددون الاستقرار الإقليمي أو يمارسون النشاطات الإجرامية العابرة للحدود، مثل تهـ.ـريب الكبتاغون.
يركز تعديل العقوبات الأمريكية على المساءلة الفردية للمتورطين في تهـ.ـريب المخدرات والمحروقات وسواها من الأنشطة غير القانونية، مما يمنح الحكومة الانتقالية السورية بقيادة أحمد الشرع شرعية دولية لمواجهة الفصائل والشبكات التي استغلت الفوضى الأمنية لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي. في هذا السياق، تشمل العقوبات المستقبلية هذه الجهات، مثل بعض الفصائل المسلحة المحلية وأطراف إقليمية مثل قسد، والشخصيات المدعومة من الخارج مثل الهجري، والذين شاركوا في السوق السوداء للمخدرات والمحروقات وغيرها. هذا التوجه يعطي النظام الانتقالي قدرة قانونية ودولية على إعادة فرض سيطرته، ويتيح له استخدام هذه الأداة لتقويض النفوذ غير الرسمي للفصائل والميليشيات، مع تعزيز دوره كجهة منظمة وموحدة قادرة على فرض الاستقرار، الأمر الذي يعكس استراتيجية أمريكية دقيقة لربط المصالح الدولية بالتحولات الداخلية ودعم بناء مؤسسات دولة مركزية فعالة بعد سنوات من التفكك والفوضى.
كما يحمل القرار بعدًا سياسيًا داخليًا، إذ يمكن للتركيز على المساءلة الفردية أن يكون عامل ضغط على الفاعلين السياسيين في سوريا، ويشجع التنافس السياسي على الالتزام بالقوانين وحقوق الإنسان. في الوقت نفسه، يسمح هذا التعديل للولايات المتحدة بالحفاظ على أدوات النفوذ دون الانجرار إلى فرض عقوبات شاملة قد تعيق جهود إعادة البناء والاستقرار، ما يعكس تقديرًا دقيقًا للتوازنات السياسية والأمنية في المنطقة بعد سنوات من الصراع العنيف.
في المجمل، تؤكد اللوائح الجديدة أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا دخلت مرحلة أكثر دقة ومرونة، تعتمد على المساءلة الفردية والاستقرار الإقليمي، مع الاحتفاظ بالقدرة على ممارسة الضغط القانوني والسياسي على من يهدد التحولات الإيجابية، سواء داخليًا أو عبر الحدود. هذه الخطوة تشكل اختبارًا للقدرة الأمريكية على الموازنة بين دعم الحكومة الانتقالية، وحماية حقوق الإنسان، ومنع
مقالات قد تعجبك أيضاً

