مظاهرات قسد في الرقة: صورة بلا مضمون

الكاتب :أحمد السخني

نظمت المظاهرة قسد في الرقة لم تكن حدثًا عفويًا أو تعبيرًا عن قناعة الأهالي، بل مجرد عرضٍ دعائي يهدف إلى إظهار صورةٍ مزيفة عن قبولٍ شعبي غير موجود. فالسكان الذين يعيشون كل يومٍ تحت ضغط غياب الخدماتِ وانعدامِ العدالةِ لا يمكن أن يتحولوا فجأًة إلى مؤيدين يهتفون للسلطة. الصورة التي حاولت قسد تسويقها تُشبه مسرحيًة قديمًة يعرفها السوريون جيدًا من تجارب النظام السابق.

واقع يناقض المشهد الدعائي

بينما كانت الكاميرات تُصور الحشود في الشوارع، كانت أحياء كاملة غارقًة في القمامة، وكانت الكهرباء غائبًة لساعاتٍ طويلة، والمياه الملوثة تصل إلى بيوت الناس مثقلًة بالأمراض. فكيف يمكن لمثل هذه المظاهرة أن تُقنع أحدًا بأن الناس راضون؟ المشهد الدعائي لا يُغير الواقع الذي يعيشه الأهالي، ولا يُلغي الأسئلة التي تتكرر كل يوم: لماذا لا تُقدم الخدمات؟ ولماذا لا يُنظر إلى حاجات الناس قبل أي خطابٍ سياسي؟

جمهورٌ مُصنع بالقوة

الذين ظهروا في المظاهرة كانوا في غالبيتهم من عناصر قسد وأعوانها، ممن يرتبطون بها بشكلٍ مباشر. أما أبناء الرقة الأصليون فقد غابوا عن الساحة أو حضروا تحت الضغط والخوف. مَن يعرف المدينة يدرك أن الوجوه التي ظهرت لا تمثل الرقابيين، بل تمثل سلطًة تحاول أن تصنع جمهورًا من حولها. المشاركة لم تكن خيارًا حرًا بل انعكاسًا لسياسة السيطرة بالقوة والإكراه.

شهادات تكشف الإكراه

يقول أحد المشاركين وهو موظف في وزارة التربية التابعة لقسد: “لقد حاءتنا التعليمات بالخروج ضمن هذه المسيرة وإلا سنعاقب”. ويضيف آخر يعمل في المجلس المحلي: “وصلتني رسالة واضحة بوجوب الخروج في المسيرة والاعتذار مرفوض تحت أي ظرف”.

حتى الموظفين لم يكونوا بعيدين عن هذا الضغط. أحدهم قال: “أخبرونا في مكان العمل أن علينا الذهاب وإلا سيسجل غياب ضدنا”. بينما علق موظف بسيط في إحدى الدوائر الخدمية: “لم نخرج لأننا نحب قسد، خرجنا لأننا لا نريد مشاكل. نحن نعرف أن لا أحد يجرؤ على الاعتذار”. هذه الشهادات تكشف أن المظاهرة لم تكن تعبيرًا عن رغبة الناس، بل كانت قرارًا مفروضًا بالقوة والخوف.

تكرار لنهجٍ قديم

ما قامت به قسد ليس جديدًا على السوريين. فالنظام من قبلها استخدم ذات الوسائل، حيث تُفرض المسيرات كدليل على التأييد الشعبي، في حين أن الناس يخرجون صامتين أو مُجبرين. داعش بدورها مارست الأسلوب ذاته حين كانت تحشد السكان في الساحات. واليوم تُعيد قسد إنتاج نفس المشهد بوجوهٍ جديدة وشعاراتٍ مختلفة. في الجوهر لم يتغير شيء: السلطة تبحث عن صورةٍ لا عن حقيقة.

مدينةٌ تطلب خدمات لا شعارات

الرقة ليست بحاجة إلى مظاهراتٍ مصطنعة تملأ الشوارع بالشعارات واللافتات. ما يريده أهلها بسيطٌ وواضح: خدماتٌ أساسية تحفظ كرامتهم، ماءٌ صالح للشرب، كهرباء عادلة، تعليمٌ حقيقي، وشوارع نظيفة. يريدون إدارًة تعترف بآلامهم لا سلطًة تفرض عليهم صورًا للاستهلاك الإعلامي. كل دقيقة تُصرف على تنظيم مظاهرةٍ كان يمكن أن تُصرف على إصلاح طريقٍ أو تشغيل محطة مياه.

سخرية الأهالي أقوى من اللافتات

الرقيون الذين شاهدوا المظاهرة لم يروها دليلًا على التأييد، بل عرضًا فارغًا. كثير منهم استقبلوا الصور بالسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرين أن اللافتات لا تُطعم جائعًا ولا تنير بيتًا مظلمًا. آخرون قابَلوا الحدث باللامبالاة، فهم اعتادوا أن يروا هذه المشاهد تتكرر منذ سنوات بأسماء مختلفة وسلطات متعاقبة. وفي النهاية بقي الشعور الغالب أن المظاهرات لا تُغير شيئًا في حياتهم اليومية ولا تعكس حقيقة موقفهم، بل تعكس فقط خوف السلطة من مواجهة الحقيقة.