أحمد الشرع في واشنطن: زيارة تاريخية تعيد سوريا إلى الواجهة
الكاتب : محمد حمود البليبل
في خطوة غير مسبوقة منذ عقود، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية، ليكون أول رئيس سوري يزور واشنطن منذ أكثر من نصف قرن. هذه الزيارة ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل مؤشر على تحول كبير في موقع سوريا على الساحة الدولية بعد سنوات طويلة من العزلة والحصار.
ذاكرة الغياب الطويل
لم تشهد العلاقات السورية – الأميركية أي انفتاح بهذا المستوى منذ ستينيات القرن الماضي. طوال العقود الماضية ارتبط اسم دمشق في الخطاب الأميركي بالحروب والصراعات والاصطفاف مع معسكرات مناوئة لواشنطن. من هنا، تحمل زيارة الشرع قيمة تاريخية وسياسية مزدوجة: كسر العزلة، وإعادة تقديم سوريا كفاعل دولي لا يمكن تجاهله.
هواجس الداخل
مع أن الشارع السوري يتابع الزيارة بأملٍ حذر على أمل أن تنعكس بانفراجٍ اقتصادي ورفعٍ جزئي للعقوبات، فإن الأقليات السورية التي راهنت على مشاريع حكمٍ ذاتي أو نزعاتٍ انفصالية تنظر إليها بعين القلق. فهي ترى أن أي تفاهمٍ أميركي – شرع قد يعني إعادة تثبيت مركزية الدولة، وهو ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لطموحاتها. بهذا المعنى، فإن ما يراه النظام انتصارًا سياديًا قد يُترجم عند بعض المكونات خوفًا وجوديًا.
فرص الإنفتاح
رغم هذه المخاوف، فإن الزيارة تحمل فرصًا استراتيجيةً لسوريا:
• كسر العزلة الدولية وإعادة الانخراط في المجتمع الدولي.
• فتح باب الاستثمارات وإعادة الإعمار عبر احتمالية تخفيف العقوبات.
• استعادة الدور الجيوسياسي لسوريا كلاعبٍ إقليمي مؤثر في ملفات الطاقة والأمن واللاجئين.
• نجاح دبلوماسي للشرع يعزز مكانته داخليًا وخارجيًا.
التحديات والتهديدات
في المقابل، يواجه الشرع تحدياتٍ جسيمة: هشاشة الاقتصاد، تعقيدات الملف الداخلي، اعتماد مفرط على القوى الخارجية، فضلًا عن مخاطر ردود فعلٍ إقليمية من تركيا وإسرائيل، أو تصعيد من جماعاتٍ مسلحة ترى في الانفتاح الأميركي على دمشق نهاية مشروعها.
من العزلة إلى الواجهة
الرسالة الأبرز التي تحملها زيارة الشرع إلى واشنطن أن سوريا تعود إلى موقعها الطبيعي على الخارطة الدولية، لا بوصفها دولًة معزولًة ومحاصرًة، بل كرقمٍ صعب في التوازنات الإقليمية. غير أن هذا التحول سيبقى رهين قدرة الشرع على إدارة ثلاث معادلاتٍ شديدة الحساسية:
1. طمأنة الداخل واحتواء قلق الأقليات.
2. موازنة العلاقات الدولية بين واشنطن وموسكو وطهران.
3. تحويل الانفتاح السياسي إلى مكاسب اقتصاديةٍ ملموسة يشعر بها المواطن السوري.
بهذا المعنى، فإن زيارة الشرع إلى واشنطن ليست فقط عودًة إلى المسرح الدولي، بل اختبار حقيقي لنجاح سياسته الخارجية في نقل سوريا من العزلة إلى الواجهة.